مكانته منهم في رسالته الخاتمة، مكمّلاً ما أسّسوا، وما أقاموا من حضارات إنسانيّة رفيعة الشأن!
ويبيّن -أيضاً- أن بناء الحضارة الذي أقامته النبوّة بكلمات الله ووحيه ليس بناءً ماديًّا كأبنية الناس في حضاراتهم الماديّة، ولكنه بناء روحاني يقوم على دعائم الأخلاق والفضائل، ومحاسن الشيم والشمائل التي شيّدوا بها بناء الحضارة الفكريّة والاجتماعيّة!
وقد أبان الحديث عن عمل النبوة باعتبارها الحقيقة العظمى المسيطرة على التفكير في إقامة صرح البناء الحضاري، بإسهام كل نبيّ وكل رسول في إرساء هذا البناء حتى جاء خاتم النبيّين - صلى الله عليه وسلم -، وكمّله برسالته الخاتمة الخالدة!
وهذا المعنى الذي أبان عنه الحديث هو إجمال لمعنى الحديث الأول، وفيه بيان المعاني والحقائق التي أقيم بناء الحضارة الإنسانيّة من لبناتها!
والنبوّة في عمومها حرية أن تكون بمنزلة من التاريخ البشريّ ترفعها فوق كل منزلة من منازل حقائق الحياة وفضائلها .. ورسالاتُ الله تعالى إلى الناس لإخراجهم من ظلمات الضلالات إلى نور الهداية جديرة أن تكون بموضع من مسيرة الإنسانية، يسمو بها إلى أرفع مكان في ذروة تاريخ الحياة!
بيد أن التاريخ البشري لم ينصف النبوّة -وهي أعظم مراتب الحضارة الفكرية- ولم يعط الرسالات الإلهيّة حقها من التقدير، وهي أجل صور الحياة في العلم والمعرفة، بل هي أبلغ وأقوى وأثبت وأعظم دوافع التطوّر الاجتماعي في حياة الإنسانيّة!