وكان بحسب العقل أن يتفقّه فيما يقال له من وحي النبوّات مما هو وراء الحسّ المادّي، ويلائم بين مدركاته الماديّة وحقائق الوجود الكونيّة العظمى، ليظفر بلون من الشفافية والإشراق، يتيح له من معارف الغيب وحقائقه ما يتحرّر به من أغلال الحسّ ومنافذه!
وإلى جانب شغل التاريخ بتلك الفلسفة الوضعيّة نجده شغل بالمظاهر الماديّة في سائر جوانب الحياة، وملأ كثيراً من صفحاته بالحديث عن آثار الوثنيّات وأصنامها وتماثيلها وأساطيرها وخرافات أهلها، وتناسى النبوّات وآثارها الفكريّة والرّوحيّة وقيمها الأخلاقيّة!
وتناسى الرسالات الإلهيّة وعملها في دفع عجلة الحضارة الإنسانيّة إلى التقدّم الأدبي، والرقيّ الفكري، والسموّ الخلقي، وحفاظها على القيم الأصلية في توجيه العقل، وأقوم الطرق في تطوّر الفكر!
فكم من صفحات هذا التاريخ البشري الظالم -منذ كان- شغلها تاريخ النبوة؟
وكم من صفحات هذا التاريخ شغلها عمل الرسالات الإلهيّة في تقدّم المجتمع البشري؟ إنها أقل من القليل!
قد يقبل في منطق الوثنيّات وفنونها الأسطوريّة أن يُشغل التاريخ البشري - وهو من أوضاع تلك الوثنيّات- عن العناية بالنبوّة والرسالات الإلهيّة، ويتعوّض عنها الأباطيل والخرافات وأساطير الوثنيّات عند الإغريق والفراعنة والكنعانيّين، ومَن إليهم من الأمم الراسبة في قاع حمأة الوثنيّات؛ لأن النبوّة إنما جاءت لتصحيح أوضاع الحياة التي شوّهتها الوثنيّات بأباطيلها، وذلك