فبعث من العربي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهداهم إلى الصراط المستقيم، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢)} [الجمعة]!
وليس المراد بالشعب الجاهل اليونانيّين، كما يفهم من ظاهر كلام مقدّسهم بولس في الباب العاشر من الرسالة الروميّة؛ لأن اليونانيّين قبل ظهور عيسى - عليه السلام - بأزيد من ثلثمائة سنة كانوا فائقين على أهل العالم كلهم في العلوم والفنون، وكان منهم جميع الحكماء المشهورين، مثل سقراط، وبقراط، وفيثاغورس، وأفلاطون، وأرسطو طاليس، وأرشميدس، وبليناس، وأقليدس، وجالينوس، وغيرهم، الذين كانوا أئمة الإلهيّات والرياضيّات والطبيعيّات وفروعها قبل عيسى - عليه السلام - وكان اليونانيون في عهده على غاية درجة الكمال في فنونهم، وكانوا واقفين على أحكام التوراة وقصصها، وعلى سائر كتب العهد العتيق أيضاً بواسطة ترجمة (سبتوجنت) التي ظهرت باللسان اليوناني قبل المسيح بمقدار مائتين وستة وثمانين سنة، لكنهم ما كانوا معتقدين للملة الموسويّة، وكانوا متفحصين عن الأشياء الحكمية الجديدة، كما قال مقدسهم هذا في الباب الأول من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس هكذا (٢٢ لأن اليهود يسألون آية واليونانيّين يطلبون حكمة ٢٣ ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً لليهود عثرة ولليونيين جهالة) فلا يجوز أن يكون المراد بالشعب الجاهل اليونايّين، فكلام مقدسهم في الرسالة الروميّة إما مؤول أو مردود -وقد عرفت في الأمر الثامن أن قوله ساقط عن الاعتبار عندنا!