الإسلام فقد تولّى عن دين الله كله، وقد خان عهد الله كله. كما فعل يهود ومن على شاكلتهم!
والإسلام -الذي يتحقق في إقامة منهج الله في الأرض واتباعه والخلوص له- هو ناموس هذا الوجود، وهو دين كل حي في هذا الوجود!
إنها صورة شاملة عميقة للإسلام والاستسلام .. صورة كونيّة تأخذ بالمشاعر، وترتجف لها الضمائر .. صورة الناموس القاهر الحاكم، الذي يرد الأشياء والأحياء إلى سنن واحد، ومصير واحد: {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣)}!
فلا مناص لهم في نهاية المطاف من الرجوع إلى الحاكم المسيطر المدبّر الجليل!
ولا مناص للإنسان حين يبتغي سعادته وراحته وطمأنينة باله وصلاح حاله، من الرجوع إلى منهج الله في ذات نفسه، وفي نظام حياته، وفي منهج مجتمعه، ليتناسق مع النظام الكوني كله. فلا ينفرد بمنهج من صنع نفسه، لا يتناسق مع ذلك النظام الكوني من صنع بارئه .. في حين أنه مضطر أن يعيش في إطار هذا الكون، وأن يتعامل بجملته مع النظام الكوني، والتناسق بين نظامه هو في تصوره وشعوره، وفي واقعه وارتباطاته، وفي عمله ونشاطه، مع النظام الكوني .. هو وحده الذي يكفل له التعاون مع القوى الكونية الهائلة بدلاً من التصادم معها .. وهو حين يصطدم بها يتمزق وينسحق، أو لا يؤدي -على كل حال- وظيفة الخلافة في الأرض كما وهبها الله له، وحين يتناسق ويتفاهم مع نواميس الكون التي تحكمه وتحكم سائر الأحياء فيه، يملك معرفة أسرارها وتسخيرها، ويملك الانتفاع بها على وجه يحقق له السعادة والراحة والطمأنينة، ويعفيه من الخوف والقلق والتناحر .. الانتفاع بها, لا ليحترق بنار الكون، ولكن لينتفع بها ويستضيء!