عذاب شديد"! فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (٢)} [المسد]!
ولمَّا أرسلَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - كتاب الدعوة إلى هرقل عظيم الروم، دعا هرقل أبا سفيان ليسأله عن هذه الدعوة وصاحبها، وقد كان أبو سفيان يومئذ على العداوة للإسلام ورسوله .. وهنا كانت إجابة عدوّ لو استطاع أن يقتل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويمحو اسمه، ويخفض من شأنه .. ثم هو يُدعى إلى مجلس صاحب سلطان ليشهد عنده في عدوّه، ودعا هرقل بترجمانه، فقال فيما يرويه الشيخان وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما، من حديث طويل: أيّكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبيّ؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسباً! فقال: أَدْنُوه منّي، وقرّبوا أصحابه، فاجعلوهم عند ظهره! ثم قال لترجمانه: قل لهم: إِنّي سائل هذا الرجل، فإِن كذبني فكذّبوه! فوالله! لولا الحياء من أن يأثِروا عليّ كذباً لكذَبْتُ عنه! ثم كان أوّل مَا سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب! قال: فهل قال هذا القول منكم أحدٌ قطّ قبله؟ قلت: لا! قال: فهل كان من آبائه من مَلِك؟ قلت: لا! قال: فأشراف الناس يتّبعونه أم ضُعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤُهم! قال: أيزيدون أم يَنْقُصون؟ قلت: بل يزيدون! قال: فهل يرتَدُّ أحدٌ منهم سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا! قال: فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا! قال: فهل يَغْدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مُدَّةٍ لا ندري ما هو فاعل فيها، قال: ولم تمْكِنِّي كلمةٌ أُدْخِلُ فيها شيئاً غير هذه الكلمة! قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم! قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منّا وننال منه! قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به