تكون شبه قارة، خليقة أن تتعدّد فيها اللغات (١)، وتتنوّع، لبعد المسافة بين مواطن القبائل وبن جنوبي الجزيرة وشماليها، وقلة اتصال أهل الجنوب بأهل الشمال، وأهل الشرق بأهل الغرب، وبحكم العصبيّة القبليّة والسلاليّة السائدة عليهم، وتأثر القبائل المتاخمة للروم والفرس بلغاتهم، وقد كثر عدد اللغات في أوروبا الوسطى، وفي شبه القارة الهنديّة، كثرة هائلة، ولا يزال عدد اللغات المعترف بها في دستور الهند يبلغ (١٥) لغة إقليميّة، تختلف فيما بينها اختلاف لغات مستقلة، قائمة بذاتها، حتى يحتاج أبناؤها للتفاهم إلى ترجمات، أو لغة أجنبية كالإِنجليزيّة!
بيد أن الجزيرة العربيّة قد امتازت على سعتها، وترامي أطرافها، وتشتّت قبائلها، بوحدة اللغة، التي كانت ولا تزال أداة تفاهم والتقاء لجميع أبناء هذه الجزيرة، حضرهم وبدوهم، القحطاني منهم والعدناني، وهي اللغة العربيّة على اختلاف لهجاتها وفروقها الإقليميّة التي تقتضيها طبيعة اللغات وفلسفتها، وطبيعة الأقاليم والأجواء، وطبيعة الانعزال والانطواء، فاللغات تختلف في لهجاتها بمسافات، قد تطول وقد تقصر، وكانت هذه الوحدة اللغويّة التي امتازت بها هذه الجزيرة من أهم أسباب تيسير مهمة الدعوة الإسلاميّة، وسرعة انتشار الإسلام فيها، ومخاطبة الوحدات العربيّة المنتشرة، في لغة واحدة هي اللغة العربيّة الفصحى، وبكتاب واحد هو القرآن العربي المبين!