للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معهم للبطش والتخريب؛ فإنه لو تم لقائديه كيدهم، لكان الفيل يدهم العاملة وسهمهم النافذ، وذلك أن جبابرة البلاد التي يوجد فيها الفيل يتخذونه آلة بطش وانتقام. فإذا غضبوا على محارب وأسروه، أو وزير وأوثقوه، أو بلد ونازلوا حصنه، أرسلوا على دار المغضوب عليه أو حصنه الفيل، فنطح برأسه ونابه الصرح فيدكه، وقواعد البنيان فيهدمها؛ فيكون أمضى من معاول وفؤوس، وأعظم رعباً ورهبة في النفوس، وربما ألقوا المسخوط بين يديه، فأعمل فيه نابه، ولف عليه خرطومه وحمله ومثّل به تمثيلاً، كان أشد بطشاً وتنكيلاً!

قال القاشاني: قصة أصحاب الفيل مشهورة، وواقعتهم قريبة من عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهي إحدى آيات قدرة الله، وأثر من سخطه على من اجترأ عليه بهتك حرمه، وإلهامُ الطيور والوحوش أقرب من إلهام الإنسان، لكون نفوسهم ساذجة، وتأثير الأحجار بخاصية أودعها الله تعالى فيها, ليس بمستنكر!

وقال الماوردي (١): آيات الملك باهرة، وشواهد النبوات قاهرة، تشهد مباديها بالعواقب، فلا يُلتبس فيها كذب بصدق، ولا منتحل بمحق، ويحسب قوتها وانتشارها يكون بشائرها وإنذارها!

ولما دنا مولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقاطرت آيات نبوته، وظهرت آيات بركته، فكان من أعظمها شأناً، وأظهرها برهاناً، وأشهرها عياناً وبياناً، أصحاب الفيل، أنفذهم النجاشي من أرض الحبشة، في جمهور جيش إلى مكة، لقتل رجالها، وسبي ذراريها، وهدم الكعبة .. ثم قال:


(١) أعلام النبوة: ١٨٥ وما بعدها بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>