يطمئن إليه في حدود معارفه، وقضايا علمه، وأقيسة منطقه، ولا يُخرجه من هذه الحَيْرة إلا التسليم والإقرار بأنه ليس من حقه أن يرفض جميع ما لم يعلم، ولا جميع ما لم يفهم؛ لأنه أمام نفسه يعلم أنه لم يُحط خُبراً بكل ما يمكن أن يُعلم، وأن الذي يجهله من سنن الكون أكثر بكثير مما علمه!
وإذا انتهى العقل إلى هذا الموقف وجب عليه أن يسلّم بقوة القدرة الإلهيّة على الخلق والإبداع، واتساع سنن الله تعالى في الكون بما يستطيع أن يصل إليه من البراهين القاطعة على قهر القدرة الإلهيّة لقوانين الطبيعة، وما وصل إليه العلم والعقل من سنن الحياة في الكون، وأن يسلّم بمطلق تصرفاتها ليسهل عليه الإيمان بما صح الإخبار به من أحداث لم تجر على مقتضى معروف من العلم، وإنما جرت على مقتضى نمط خاص في سنن الله تعالى!
فالتقيّد بحكم العادة المتكررة، ومجرد متعارف العقول، وقضايا العلم المادي، هادم لقضايا أصول الشرائع السماويّة، فالذين يتشبّثون بهذا التقييد في فهم حقائق الأحداث الكونية يجعلون من معارف العقل وقضايا العلم حواجز أمام فهم سنن الله تعالى في الكون، وهم عندئذ بين أمرين:
إما إيمان ينتهي بهم إلى التسليم بالعجز عن إدراك بعض الحقائق الكونيّة التي جاءت بها الرسالات السماويّة بأخبار ثابتة الصحة عن طريق الرواية والدراية!
وإما إلحاد ينكر جاحداً أصل الرسالات الإلهيّة، فلا يبقى -في نظرهم- بين الحقائق الوجوديّة نبوة ولا رسالة من الله إلى الخلق، وهذا ما انتهى إليه ملاحدة الماديّين من كل مَنْ حكَّم الحسّ، وأنزل العقل عن منزلته إلى هاوية الحسّ المادي!