ونجد أن كلامه -عليه الصلاة والسلام- من جوامع الكلم، التي تجمع بين الحكم الكثيرة والألفاظ القليلة والمعاني الجديدة التي لم تكن معروفة!
ونجد من الظواهر العامة أنه يخاطب العقل والوجدان، من غير استكراه للألفاظ، أو تكلف في المعاني، وأن قوله يجري سهلاً طيباً قيّماً!
ونجد أن كلامه بديع في ذاته من غير صناعة، وجميل في نسق محكم .. ولهذا أثره البالغ في الدعوة!
حقاً، إن بلاغة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من صنع الله، وما كان من صنع الله تضيق موازين الإنسان عن وزنه، وتقصر مقاييسه عن قياسه، فنحن لا ندرك كنهه، وإنما ندرك أثره، ونحن لا نعلم إنشاءه، وإنما تعلم خبره!
وهل يدرك المرء من آثار الشمس غير الضوء والحرارة؟!
وهل يُعلم من أسرار الروض غير العطر والنضارة؟!
وهل يجد في نفسه (١) من أغوار البحر غير الشعور بالجلالة والروعة؟!
إن البلاغة النبوية هي المثل الأعلى للبلاغة العربيّة، وإذا كان كلام الله كتاب البيان المعجز، فإن كلام الرسول سنة هذا البيان، وإذا كان البلاغ صفة كل رسول، فإن البلاغة صفة خاتم النبيين، حيث تجمعت فيه - صلى الله عليه وسلم - خصائص البلاغة بالفطرة، وتهيأت له أسباب الفصاحة بالضرورة -كما أسلفنا- وإن أخص ما يميز الأسلوب النبوي الأصالة والإيجاز!
فالأصالة وهي خصوصية اللفظ وطرافة العبارة تتجلى فيما كان ينهجه الرسول من المذاهب البيانيّة، ويرتجله من الأوضاع التركيبيّة، ويضعه من الألفاظ الاصطلاحيّة!