وتتكشف جوانب من عظمة هذه الحقيقة حين نتصوّر جهد الطاقة حقيقة الاصطفاء، ونتصور في ظلها حقيقة العبوديّة، بما نعرف وبما لا سبيل إلى معرفته .. ثم نستشعر وقع هذا التكريم وتلك العناية بنا، ونتذوق حلاوة المعرفة والفهم، وحقيقة التكريم والعناية، ونتلّقى هذا الشعور بالشكر والخشوع، والابتهال والخضوع .. ثم لا نلبث أن نجد أنفسنا نحلّق في سماء الحمد، ونتصور جنبات الوجود، وهي تتجاوب مع هذا التكريم وتلك العناية!
لقد بدأت آثار مطلع الوحي منذ اللحظة الأولى في تحويل خط التاريخ البشري كله .. منذ أن بدأت في تحويل خط الضمير الإنساني .. منذ أن تحددت الجهة التي يتطلع إليها الإنسان، ويتلقى عنها تصوراته وموازينه!
وهنا شعر السلف الصالح الذين استقرت في أرواحهم ومشاعرهم وأحاسيسهم هذه الحقيقة بأنهم في كنف الله -عَزَّ وَجَلَّ- ورعايته، ورحمته وعنايته!
ومن ثم ظهرت آثار هذه الحقيقة في صلتهم المباشرة بالحق .. فهم قد تحولوا إلى الإيمان الكامل في الفكر والسلوك .. اتصلوا بالحق في كل أحوالهم، كبيرها وصغيرها، يبيتون ويصبحون، وهم في صلة كاملة بالحق، واستمرت هذه الفترة مدة نزول الوحي مباركة طيّبة، لا يتصور حقيقتها كما يجب أن يكون التصور إلا الذين عاشوها وذاقوا حلاوة الاتصال!
لقد ولد الإنسان من جديد، ولقد تحول خط التاريخ .. ولقد قام في الضمير الإنساني التصور المثالي للوجود وللحياة .. ولقد استقرت هذه التصورات بمعالمها في واقع الحياة!