للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من تحقق حاله، وأي محصل له، وهو تمثيل عجيب غريب، جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كأي رجل يطلب الراحة من غم ناله، فأراد أن يتخلص منه ويرتاح، ولو بإهلاك نفسه؟!

قال ابن حجر (١): وأما المعنى الذي ذكره الإسماعيلي فوقع قبل ذلك في ابتداء مجيء جبريل، وأشار إلى رواية الطبري (٢)!

قلت: هذا يؤكد رد ذلك القول، فضلاً عن اختلاف الرواية، والتعارض مع الرواية التي أوردناها، وكان على الحافظ ابن حجر أن يشير إلى ذلك، وهو الذي ذكرناه بقوله في رد ذلك البلاغ!

وبهذا نتبين أن فترة الوحي أبعد ما تكون زمناً ووضعاً وموضوعاً من أن تكون من مقدمات تأسيس النبوة؛ لأن فترة الوحي -كما عرفنا- متأخرة في زمن وقوعها ووضعها في إطار الرسالة بزمن، والمتأخر زمناً لا يصلح بداهة أن يكون تأسيساً للمتقدم!

وأبعد ما تكون في موضوعها وحكمتها عن التدرج بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في الوحي ليمرن عليه؛ لأن كل ما يتصل بالوحي ليس من الشؤون الكسبية التي يتدرج الإنسان في مراتبها ودرجاتها حتى يمرن عليها؛ ولأن التدرج والمران يقتضيان تعدد فترات الوحي، حتى يتحقق المقصود منهما، وفترة الوحي قبل نزول سورة (الضحى) فترة من نوع آخر، كان سببها على الصحيح أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- اشتكى فلم يقم ليلتين أو ثلاتاً، وذلك فيما رواه الشيخان وغيرهما عن جندب بن


(١) فتح الباري: ١٢: ٣٦١.
(٢) انظر: تاريخ الطبري: ١: ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>