للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخاصّة نفى عن نفسه أنه يعرف القراءة، لا طبيعة وجبلّةً، ولا تعلّمًا وكسبًا، فهو أميّ لم يسبق له قط أن قرأ ولا تعلّم القراءة، ولا خطّ بيمينه كتابًا، ثم استبان من مخاطبه أمين الوحي (ماذا يقرأ)؟ و (كيف يقرأ)؟!

وليس وراء الأمر بالقراءة في أوّل وأبرز عنوان في إطار رسالة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يستعين -على تحقيق ما لم يعرف، ولا هو في طوقه- باسم ربّه، وقد أبرز الاسم الكريم متعلّقًا تعلّقًا مباشرًا بفعل الأمر المطلق بالقراءة، مضافًا إضافة تكريم وتشريف خاصة بخطاب مَن طلب منه أن يقرأ ما لم يخطه قلم بيمين إنسان، فقيل له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}!

وفي هذه الإضافة التكريميّة لون من الحفاوة السابغة، تبثّ الطمأنينة، ويقين الإيمان في قلب القارئ العظيم الذي سبقت له العناية، فتولّته رعاية الربوبيّة، وتعهّدته بتربيتها الخاصّة، وهو لا يعلم أنه المقصود بتعليمه وتأديبه، تعليمًا إلهيًّا، وأدبًا ربّانيًّا، لم يثافن معلّمًا قط، وهيّأته لا يراد به، وما يراد منه، وهو لا يعلم أنه الرسول خاتم النبيّين، فلا نبيّ بعده: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣)} [الشورى: ٥٢، ٥٣]

وعموم المشيئة في الآية الكريمة مخصوص به - صلى الله عليه وسلم -،ولكنها جاءت كما في الآية لتمثل إطلاق الألوهيّة في كمال إرادتها: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: ١٢٤]!

ولُباب المعنى: كن قارئًا إعجازًا، ولو لم تكن من القارئين تعلّمًا .. اقرأ

<<  <  ج: ص:  >  >>