نزلت:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}! صعد النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصفا، فجعل ينادي:"يا بني فهر، يا بني عديّ" -لبطون قريش- حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إِذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولًا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال:"أرأيتكم لو أخبرتُكم أن خيلًا بالوادي تريد أن تُغير عليكم أكنتم مصَدِّقيّ؟ " قالوا: نعم، ما جرّبنا عليك إِلا صدقًا، قال:"فإِني نذير لكم بين يدي عذاب شديد"، فقال أبو لهب: تبًّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؛ فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (٢)} [المسد ١: ٢]!
وقد اعترف له بها أبو سفيان بن حرب قبل أن يسلم -كما عرفنا- وسبق أن ذكرنا طرفًا من ذلك!
وصدق الحديث ينزل من الفضائل الإنسانيّة التي تتخذها الحياة معبرًا إلى إدراك الغايات للنفوس السامية، المتسامية بسموّها عن مطالب الأرض، وصغار الأماني، منزلة العنوان من الكتاب، يستسرع الناظر إليه تعرّف ما طوي عليه الكتاب من حقائق الفكر في متقلّبات الحياة، تجذب إليها أنظار المتطلّعين الذين يستشرفون أنوار الكمال من آفاق الحياة!
وإذا كان الصدق سجيّة في حياة إنسان كان صدقه الذي لا تشتبه معالمه آية من آيات الله على أنه إنسان اكتملت خصائصه، واتسقت عناصر إنسانيّته، فلا تميله الأهواء، ولا يخدعه غرور الحياة. فكلمته فصل، وقوله فرقان مبين!
وهكذا كانت سجيّة صدق الحديث في حياة محمَّد خاتم النبيّين - صلى الله عليه وسلم -، وهو يعيش بين أحضان مجتمعه إنسانًا كغيره من رجالات قومه، لا يميزه عن آحادهم في عيشه وكدّه في سعيه ثراء مالي، ولا بطش بدني، ولا تسلّط