وهي أقدر الفضائل على توثيق عرى المحبّة بين ذوي القربى، تجمع القلوب على الصفاء، وتشدّ أواصر التآخي، تجمع حول من يتحلّى بها، ويبذل في سبيلها الجود والرحمة، ينفق مما ملكت يمينه، ويبذل في غير منٍّ ولا رياء، لذوي رحمه وقرابته، بالتعاطف والتراحم، وسماحة المكارم، فيحبّونه، ويحبّون الخير عنده، يدافعون عنه إذا حاول أحد النيل منه، يبادلونه المنافع في غير أثرة ولا طمع، يخلصون له الودّ، ويشاركونه بأساءه، ويقاسمونه سرّاءه، يفرحون لفرحه، ويألمون لألمه، إن أحزنه شيء تعرّفوا مصادره فدرؤوها عنه إن استطاعوا، فإن لم يستطيعوا كانوا معه في أحزانه حتى يسرّى عنه!
كذلك كانت هذه الفضيلة الاجتماعيّة مغروسةً في خلائق محمَّد خاتم النبيّين - صلى الله عليه وسلم -، تجلّت آثارها واضحة في حياته - صلى الله عليه وسلم - قبل نبوّته، فأحبّه من أحبّه منهم .. واستجاب من استجاب لدواعي هذه الفضيلة من محاسن شمائله، فدخلوا معه في حصار الشّعب -كما سيأتي- من آمن منهم بدعوته، ومن لم يؤمن، وصبروا على بلاء هذا الحصار الظلوم الجهول الغشوم وجهده، واحتملوا فيه ما حُملوا من الإجاعة والقطيعة وجهد البلاء، لا لمجرّد العصبيّة القبليّة، والنخوة العنصريّة، فقد أبى أن يشارك في هذه المحنة القاسية كثيرون، وهم أشدّ العرب حميّة وتعصّبًا قبليًّا، ولكن الذين قبلوا أن يستظلّوا بلوائه في الترابط الرحمي إنما صنعوا ذلك تحقيقًا لمقتضيات التواصل مع من عرفوه أوصل الخليقة للرحم، وأبرّ الناس بذوي القربى، محمَّد خاتم النبيّين - صلى الله عليه وسلم - الصادق في ودّه ووصله، الأمين في حفاظه لوشائج القربى والرحم!
وسبق أن ذكرنا ما رواه الشيخان وغيرهما، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -