من الأئمّة، بأسبقية أبي بكر الصدّيق - رضي الله عنه - .. لأن إسلام أسرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: زوجه وبناته، وربيب رعايته وتربيته ابن عمه، ومولاه وحبّه- كان إسلام الفطرة النقية الطاهرة، التي ولدت في مهد الإيمان، ونشأت بين أحضان النبوّة، حيث شاهدت أكرم مكارم الأخلاق، ورأت معالم النبوّة وآياتها الإرهاصيّة، تتجلّى في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم - قبل نزولها .. ثم رأت معالم الوحي، وسمعت آيات الله تتلى في بيتهم، والحكمة تتنزّل بينهم، وشهدت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو الزوج الحبيب الأكرم، والأب الودود المحبّ الحبيب، والحاضن المربّي الشفيق، والمولى الرحيم الرفيق، والمعلّم المهذّب المؤدّب، والمشرّع السمح الحكيم، والرسول المصدّق الأمين، ينزل عليه الوحي بآيات الرسالة وشرائعها وأحكامها وآدابها، فإذا هو - صلى الله عليه وسلم - صورة حية متحركة لهذه الآيات والشرائع والأحكام والآداب، فيأخذون عنه خُلُقه وعمله مشاهدة ومحاكاة، ويسمعون منه ما يأمر به ويرغّب فيه من الخير، وما ينهي عنه وينفر من مقاربته من الشر، فيتشرّبون من يقينه وإيمانه وحكمته وآدابه وشرائعه ما تطيق قلوبهم وأرواحهم حمله، وتترسم عقولهم ما تستطيع إدراكه من مشاهد النبوّة والوحي، وإشراق الرسالة، وينهضون إلى القيام بجوارحهم أداء لما يطلب من الجوارح!
فسبق هؤلاء الغرّ الميامين إلى الإيمان بالله تعالى وتوحيده، والتصديق برسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - فطري طبيعي، تقتضيه الفطرة النقيّة، والطبيعة الناهدة بين أحضان الخير والهدى؛ لأن في ذلك تحقيقاً لما يشهدونه في واقع حياة الأب والزوج والمربّي، والرسول الصادق المصدّق من أدب وخُلق وعمل، ليصنعوا منه صورة أنفسهم وعقولهم، وأرواحهم ومشاعرهم وإحساساتهم، تحبّباً إليه، واستجابة له، وإيناساً لخوالجه، وتقرباً إلى الله تعالى!