دونكم الأرض الواسعة، جعلتها لكم ميدان الكسب والعمل، فامشوا في مناكبها، وكلوا من رزقي .. دونكم السماء الرفيعة، جعلتها لكم قبلة الدعاء والأمل، فإيّاي فادعوا، وفضلي فالتمسوا!
تلك وصيّة الله .. فماذا كان الموقف منها؟!
واأسفاه، لقد وقف كثيرون منها موقف الإباء العنيد، فلا إلى ميدان الأعمال يبرزون، ولا إلى قبلة الآمال يتوجّهون، ولكنهم يحطون أنظارهم على طرف أنوفهم، ويفتحون أعينهم على رزق الجار والقريب والصاحب والزميل، يحصونه ويعدّونه عداً، ثم يقولون: أهؤلاء، منّ الله عليهم من بيننا؟!
هكذا يصنع الناس!
هكذا يصنع الفاقد للشيء، ينفق عمره في التطلّع إلى حظ واجده .. وهكذا يصنع المقلّ .. يضيّع وقته في حساب رزق المكثر .. ولعله لو دقّق الحساب لوجد نفسه قد أوتي ما هو أعزّ قدراً وأغلى ثمناً .. ولكنه ينسى الكنز الذي في يده، ويتطلّع إلى الزخرف في يد صاحبه .. وهبه لم يؤت من الحظوظ ما يعادل تلك الحظوظ الماديّة أو يزيد، فهل حسب أن سعة الرزق عند الآخرين تضيق عليه هو رزقه؟!
وهل يخشى أن سعة الرزق عند الآخرين تنقص من ينابيع الثروة شيئاً فشيئاً، فحرص أن يزاحمهم عليها قبل أن يستنفذوها؟!
يا هذا، إن خزائن الله لا تنفد، وإن معين نعمته لا ينضب، فما بالك تزاحم الخلق على شربهم من هذا الحوض الضيّق المحدود، وأمامك ذلك النهر العذب الذي لا ساحل له ولا حدود؟!