ولسنا ننكر مع ذلك أن العامل العددي إذا انضم إلى العامل النوعي كان ذلك خير الخير، ولكنه إذا انحاز كل واحد منهما إلى جانب غير جانب صاحبه فإن الفوز في النهاية للقوّة المعنويّة، على تلك الكثرة العدديّة، التي تتجمّع في رأي العين، ولكنها غثاء كغثاء السيل، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتّى!
ألا فلنهتد بهدي هذا الدستور الأعلى، في شأن مكاسبنا وثرواتنا!
ألا فليعلم المكثرون أنهم هم المقلّون .. المكثرون من السحت والحرام، إن أكلوا منه نبت لحمهم طعمة للنار، وإن تصدّقوا به لم يتقبّل منهم؛ لأن الله تعالى طيّب لا يقبل إلا طيّباً، وإن تركوه لذريّتهم كان مصيره المحق والدمار، ولو بعد حين، وإن دَعَوْا ربّهم وفي أجوافهم أو على أجسادهم منه شيء، فهيهات أن تجاب دعوتهم!
يروي مسلم وغيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيها الناس! إِن الله طيّب لا يقبل إِلا طيّباً، وإِن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١)} (المؤمنون)! وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}(البقرة: ١٧٢)!
ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمدّ يديه إِلى السماء! يا ربِّ! يا ربِّ! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِيَ بالحرام، فأنى يُستجابُ لذلك؟ " (١)!
(١) مسلم: ١٢ - الزكاة (١٠١٥)، والبخاري: رفع اليدين (٩٤)، وأحمد: ٢: ٣٢٨، والدارمي (٢٧٢٠)، وعبد الرزاق (٨٨٣٩)، وعلي بن الجعد (٢٠٩٤)، والبيهقي: ٣: ٣٤٦، والترمذي (٢٩٨٩)، والبغوي (٢٠٢٨).