قادت من قبل خطوات أقدامنا .. صوّرت لنا القلوب على اختلاف نزعاتها، وتنوعّ أهدافها من الكسب، فإذا منها الآثم الذميم الذي تحرّكه شهوة الطغيان والعدوان، أو نزعة العبث والإسراف، أو حبّ التنافر والتكاثر!
وإذا منها الغافل الذي لا يعنيه إلا حظ نفسه من المتاع المباح .. وإذا منها الراشد النبيل، الذي يتطلّع إلى أوسع الآفاق وأسمى الدرجات، يبتغي فيما آتاه الله الدار الآخرة ولا ينسى نصيبه منها!
هكذا قبل أن نسعى لطلب أرزاقنا .. عرفنا في أي طريق نضع أقدامنا، ومتى وصلنا إلى حقل العمل .. وقبل أن نكدح فيه بأيدينا وأذهاننا، عرفنا كيف نوجّه قلوبنا ونيّاتنا .. وسيلة مشروعة أو غاية مبرورة!
أدبان نقتبسهما من القرآن الحكيم .. هل بقي وراءهما شيء من آداب الكسب؟
نعم، فما تلك إلا وصيّة أوّل الطريق .. وإن طريق الكسب طويل متشعّب، قد يمتدّ بامتداد الأجل، وقد يتعرّج بتعاريج القوة والضعف واليأس والأمل .. ذلك أن للجهد فترات وله نزوات، وأن للحظ إقبالاً وإدباراً، وللقلب في كلتا الحالين تقلّبات .. أفتتركنا هداية القرآن عند أول الطريق، وتدعنا نهباً لما يصادفنا فيه من هذه العوامل المختلفة، ليعالجها كل امرئ منا بوحي ساعته أو ميزان طبعه ومزاجه؟!