إرهاق لا يعرف منهم رفقاً ولا استجماماً .. وإلحاح لا يحفظ لهم وقاراً ولا كرامة .. وتبذّل لا يبدو فيه أثر لنعمة الله عليهم .. واستغراق لا تأخذ فيه أسرتهم حظّها من الإيناس والمودّة، ولا عقولهم حظّها في الثقافة، ولا نفوسهم حظّها في المتعة البريئة، ولا أرواحهم من الصلة بالمثل العليا!
ألا تراهم! قد يسمعون داعي الله إلى مناجاته وهم عنها لاهون، اشتغالاً بشؤون الوارد والصادر، وحساب الأرباح والخسائر، كأن هذه اللحظات المعدودة التي قد يؤدّون فيها حق ربّهم، هي التي ستقلب الغنم غرماً، وتحوّل الربح خسراً، وما دروا أن الحقيقة ضد ذلك، وأن التقوى مفتاح خفي من مفاتيح الرزق، وأن الله لا يبارك عملاً مباحاً، إذا كان يلهي صاحبه عن واجبه!
ألا إن هذا مثل من الإسراف، الذي يعود به طلب المباح اشتغالاً بالحرام!
ألا إن هذا نموذج من العدوان الذي قال الله في شأنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧)} (المائدة)!
نعم، إن على رأس هؤلاء المعتدين أولئك الذين يتوجه إليه القرآن الكريم بندائه القوي وإنذاره الشديد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٩)} (المنافقون)!