للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعاقل يحبّ حبيبه هوناً ما، عسى أن يكون بغيضه يوماً ما، ويبغض بغيضه هوناً ما، عسى أن يكون حبيبه يوماً ما. فكما يجب علينا فيمن نحبّ ألّا نقلب عيوبهم محاسن، حتى نعدّهم خيراً خالصاً، كذلك يجب علينا فيمن لا نحبّ ألا نقلب محاسنهم عيوباً، حتى نتخذهم عدواً خالصًا: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا} (المائدة: ٨)!

لو كان في العالم مخلوق هو شرّ كله لكي يُعادَى، كان ذلك إبليس وحده، على أن إبليس قد يصدق وهو كذوب (١)!

فلو عادينا من أعماله شيئاً لعادينا صدقه لو صدق؛ لأنه ليس بصديق لنا!

ألا وإن الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها أنّى وجدها!

ألا وإن العاقل حليف الحق، ينصر عليه، ويساعد صاحبه، أنّى كان!

هكذا يجب أن نتبيّن مواقع حبّنا وبغضنا في شأن معاملة أعدائنا، فما الظن بأوليائنا؟!

عجباً، كيف يحمل المؤمن لأخيه ضغناً وحقداً، ويبيت له السوء، ويصرّ عليه، ويتربّص به الدوائر، ويبتهج بوصول الشرّ إليه؟!

فكأنه يأنس بخذلان أخيه، ووصول النقمة إليه، ولا يراعي الصالح، ولا يذكر أخوّة الإيمان, التي يشير إليها القرآن الكريم بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات: ١٠)!

بل لا يذكر الأخوّة الإنسانيّة، التي ذكرها الله في كتابه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (الأعراف: ١٨٩)!


(١) انظر: البخاري (٢٣١١، ٣٢٧٥، ٥٠١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>