والطمع، وهو خطيئة القلوب المنحرفة، والنفوس الطفيلية النزعة، التي يسيل لعابها على الخير الذي في أيدي الناس، فتشتهيه وتتمناه لنفسها, ولو انتزاعاً من ملك غيرها!
هما إذن جرثومتان اثنتان، يكمن فيهما أصل الداء، تلك العداوة التي توحي بمعنى الشر للأعداء، وتلك الأنانية التي تسرف في حب الخير للغير!
فننظر الآن في مدى القدرة الإنسانيّة على التخلّص من الجرثومة الأولى، أعني نزعة الكراهية والبغضاء، هل في طاعة الفطرة البشريّة أن تتجرّد من هذه النزعة، تجرّداً كليًّا، في كل حال؟!
هيهات .. دلني على واحد من البشر لا يكره ولا يعادي أقل لك: إنه إذن لا يحبّ ولا يوالي، وإنه إذن لا يحبّ الشرّ، بل حبّ الخير في طبعه .. فهو إذن يحبّ الحق والخير، وبالتالي يحبّ أهل الحق وأهل الخير ويواليهم، وهو إذن يكره الإثم والعدوان، ويكره أهل الإثم والعدوان ويعاديهم، ومتى كانت الكراهية والبغضاء تحدث على مبادئ وأسباب صحيحة، فإن من شأنها أن تستقرّ وتستمرّ، ما دامت أسبابها موجودةً، ومن شأنها كذلك أن تستتبع آثارها!
فكيف إذن يطالبنا القرآن بأن نمحو من قلوبنا البغض لكل أحد، حتى للمجرمين؟!
وكيف يحرم علينا إرادة الشر للشقيّ؟! وعدم الحبّ للأشرار والمعتدين؟!
وإن أخص ما تمتاز به وصايا القرآن أنها -مع سموها ونبلها- لا تتطلّب المحال، ولا تتشبّث بالخيال!