على أن محاولة النضر بن الحارث أن يلهي الناس عن هذا القرآن بشيء آخر يخدعهم به عنه، لم تكن هي المحاولة الأخيرة، ولن تكون!
لقد تكرّرت في صور شتّى .. وحاول أعداء الرسالة والرسول - صلى الله عليه وسلم - دائماً أن يصرفوا الناس نهائيًّا عن هذا القرآن، فلما عجزوا حوّلوه إلى تراتيل يترنّم بها القرّاء ويطرب لها المستمعون، وحوّلوه إلى تمائم وتعاويذ يضعها الناس في بيوتهم وسياراتهم وجيوبهم وفي صدورهم وتحت وسائدهم .. ويفهمون أن هذا فقط هو الدين، وقد أدّوا حقّ هذا القرآن وحق هذا الدّين!
لم يعد القرآن في حياة الناس هو مصدر التوجيه .. لقد صاغ لهم أعداء هذا (الدّين القيّم) أبدالاً منه يتلقّون منها التوجيه في شؤون الحياة كلها .. حتى ليتلقّون منها تصوراتهم ومفاهيمهم، إلى جانب ما يتلقّون منها شرائعهم وقوانينهم، وقيمهم وموازينهم!
ثم قالوا لهم: إن هذا الدّين محترم، وإن هذا القرآن مصون، وهو يتلى عليكم صباحاً ومساء وفي كل حين، ويترنّم به المترنّمون، ويرتّله المرتّلون .. فماذا تريدون من القرآن بعد هذا الترنّم وهذا الترتيل؟!
إنها مناورة النضر بن الحارث، ولكن في صورة متطوّرة معقّدة، تناسب تطوّر الزمان وتعقّد الحياة .. ولكنها هي هي في شكل من أشكالها الكثيرة، التي عرفها تاريخ الكيد لهذا الدّين، على مدار القرون!
ولكن العجيب في شأن هذا القرآن، أنه على طول الكيد وتعقّده وتطوّره وترقّيه ما زال يغلب!
إن لهذا الكتاب من الخصائص العجيبة، والسلطان القاهر على الفطرة، ما