والقيام حركة تدل على العزم والثبات:{فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فهو رب لهذا الكون كله: {لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا} فهو واحد بلا شريك: {لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (١٤)} وتجاوزنا الحق، وحدنا عن الصواب!
ثم يلتفتون إلى ما عليه قومهم فيستنكرونه، ويستنكرون المنهج الذي يسلكونه:{هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ}؟ فهذا هو طريق الاعتقاد: أن يكون للإنسان دليلٌ قويٌّ يستند إليه، وبرهان له سلطان على النفوس والعقول، وإلا فهو الكذب الشنيع؛ لأنه الكذب على الله: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (١٥)}؟
وإلى هنا يبدو موقف الفتية واضحاً صريحاً حاسماً، لا تردّد فيه ولا تلعثم .. إنهم فتية أشدّاء في أجسامهم، أشدّاء في إيمانهم، أشدّاء في استنكار ما عليه قومهم!
ولقد تبيَّن الطريقان، واختلف المنهجان، فلا سبيل إلى الالتقاء، ولا للمشاركة في الحياة، ولا بدَّ من الفرار بالعقيدة .. إنهم ليسوا رسلاً إلى قومهم فيواجهوهم بالعقيدة الصحيحة ويدعوهم إليها، ويتلقوا ما يتلقاه الرسل .. إنما هم فتية تبين لهم الهدى في وسط ظالم كافر، ولا حياة لهم في هذا الوسط إن هم أعلنوا عقيدتهم وجاهروا بها، وهم لا يطيقون كذلك أن يُداروا القوم، ويداوروهم ويعبدوا ما يعبدون من الآلهة، على سبيل التقية ويخفوا عبادتهم لله .. والأرجح أن أمرهم قد كُشف، فلا سبيل لهم إلا أن يفرِّوا بدينهم إلى الله، وأن يختاروا الكهف على زينة الحياة، وقد أجمعوا أمرهمِ فهم يتناجون بينهم: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (١٦)}