للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد كانت الأمة المسلمة تتلقّى هذا القرآن الكريم لتقرّر، وفق توجيهاته وتقريراته (١) -خطّتها وحركتها، ولتتّخذ وفق هذه التوجيهات والتقريرات- مواقفها من الناس جميعاً .. ومن ثم كانت تَغْلِب ولا تُغلَب؛ لأنها تخوض معركتها مع أعدائها تحت القيادة الربّانيّة المباشرة، مذ كان نبيها - صلى الله عليه وسلم - يقودها وفق الإرشادات الربّانيّة العلويّة!

وهذه الإرشادات الربّانيّة العلوّية لا تزال، والتقريرات التي تضمنها ذلك الكتاب العزيز لا تزال، والذين يحملون دعوة الإِسلام اليوم وغداً خليقون أن يتلقّوا هذه التقريرات وتلك الإرشارات الربَّانيّة العلويّة كأنهم يخاطبون بها اللحظة، ليقرّروا على ضوئها مواقفهم من شتّى طوائف الناس، وسن شتّى المذاهب والمعتقدات والآراء، ومن شتّى الأوضاع والأنظمة وشتّى القيمِ والموازين .. اليوم وغدًا وإلى آخر الزمان! {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢)}!

إن صيغة العبارة تحتمل أن تكون خطاباً للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأن تكون خطاباً عامًّا خرج مخرج العموم؛ لأنه يتضمّن أمراً ظاهراً مكشوفاً يجده كل إنسان، وهي صيغة لها نظائرها في الأسلوب العربي الذي نزل به القرآن الكريم .. وهي في كلتا الحالتين تفيد معناها الظاهري الذي تؤدّيه!، فإذا تقرّر هذا فإن الأمر الذي يلفت النظر في صياغة العبارة هو تقديم اليهود على الذين أشركوا، في صدد أنهم أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا، وأن شدّة عداوتهم ظاهرة مكشوفة، وأمر مقرّر، يراه كل من يرى، ويجده كل من يتأمل!


(١) السابق: ٢: ٩٥٩ وما بعدها بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>