للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأسرّ بها، وكان لنا مجلس، يجتمع فيه رجال من قريش بالحزْورة، عند دُور آل عمر بن عبد بن عمران المخزومي، قال: فخرجت ليلةً أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك، قال: فجئتهم فلم أجد منهم أحداً، قال: فقلت: لو أني جئت فلانا الخمّار، وكان بمكّة يبيع الخمر، لعلي أجد عنده خمراً فأشرب منها، قال: فخرجت فجئته فلم أجده، قال: فقلت: لو أنّي جئت الكعبة، فطفت بها سبعا أو سبعين، قال: فجئت المسجد، أريد أن أطوف بالكعبة، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي، وكان إذا صلّي استقبل الشام، وجعل الكعبة بينه وبين الشام، وكان مصلاّه بين الركنين: الركن الأسود، والركن اليماني، قال: فقلت: حين رأيته، والله!

لو أنّي استمعت لمحمد الليلة، حتى أسمع ما يقول! قال: فقلت: لئن دنوت منه أستمع منه لأروّعنّه، فجئت من قبَل الحجْر، فدخلت تحت ثيابها، فجعلت أمشي رويداً، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يُصلَّي، يقرأ القرآن، حتى قمتُ في قبلته مستقبله، ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة، قال: فلمَّا سمعت القرآن رقّ له قلبي، فبكيت ودخَلَني الإِسلام، فلم أزل قائماً في مكاني ذلك، حتى قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته، ثم انصرف، وكان إذا انصرف خرج على دار ابن حُسيْن، وكانت طريقه، حتى يَجْزع المسعى (١)، ثم يسلك بين دار عبّاس ابن المطلّب، وبين دار بن أزْهر ابن عبد عوف الزهري، ثم عدى دار الأخنس ابن شَريق، حتى يدخل بيته، وكان مسكنه - صلى الله عليه وسلم - في الدار الرَّقْطاء (٢)، التي كانت بيديْ معاوية بن أبي سفيان!


(١) أي يقطعه.
(٢) أصل الرقطاء: التي فيها ألوان، وكذلك الأرقط.

<<  <  ج: ص:  >  >>