ذلك كان شأن الملأمن قريش في قولهم (١): ساحر كذّاب، وهم يعلمون أنهم يكذبون فيما يقولون، ويعرفون أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكن بساحر ولا كذّاب!
وعجبوا كذلك من دعوته إيّاهم إلى عبادة الله الواحد، وهي أصدق كلمة وأحقّها بالاستماع: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (٦) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (٧)}
ويصوّر التعبير القرآني مدى دهشتهم من هذه الحقيقة الفطريّة القريبة:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا}!
كأنه الأمر الذي لا يتصوّره متصوّر!
{إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥)}!
حتى البناء اللفظي {عُجَابٌ} يوحي بشدّة العجب وضخامته وتضخيمه!
كما يصوّر طريقتهم في مقاومة هذه الحقيقة في نفوس الجماهير، وتثبيتهم على ما هم عليه من عقيدة موروثة متهافتة، وإيهامهم أن وراء الدعوة الجديدة خبيئاً غير ظاهرها، وأنهم هم الكبراء العليمون ببواطن الأمور، المدركون لما وراء هذه الدعوة من خبيء!