الماديّة الوثنيّة عتبة ابن ربيعة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ليقنعه باختيار ما يشاء من لعاعات الدنيا فيعطاه، ويكفّ عن قريش ودعوتها إلى الله وتوحيده، فلا يسمعها في أنديتها قوارع رسالته، ولا يزعجها بشآبيب إنذاراته!
ومن البيّن الذي لا يحتاج إلى موقف متأمل أن الأمور التي عرضها سفير قريش عتبة بن ربيعة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليختار منها ما يشاء فتعطيه إيّاه قريش ثمناً لكفّه عنها، وتركها غارقة في أرجاس ماديّتها الوثنيّة، وشركها الكفور، كانتَ أرفع مناصب الدنيا، وأجلّ ما يطلبه الطامعون في زخارفها، الطامحون إلى مشارفها وعلوّها! فهي أمور ماديّة أرضيّة، ليس فيها رائحة من شرف العقل، وكرامة الفكر. وإشراق الروح، انتزعها عباهلة المادية الوثنيّة من أعظم ما تسمو إليه حياتهم الماديّة الظالمة المظلمة! وقد أراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقراءة ما قرأ على مسامع سفير قريش عتبة بن ربيعة، وجعلها جواباً له عن عروضه الماديّة التي عرضها عليه، ليختار منها ما يشاء أن يزعج ضميره، ليستيقظ من غطيط نومه الوثني، ويفيق من سكرته الجاهليّة، ويصحو من غفلة عنجهيّته، وضلالات مواريثه، عسى أن يكون في ذلك فتح مغاليق قلبه وقلوب من وراءه من غطاريف الوثنية المادية، فتؤمن قلوبهم بما يتجلى لها من الحق، وبما تعرف من حججه ودلائله، وبما تفقه من براهينه التي جاءهم بها رجل أمّي من أنفسهم، وهم أعرف به من معرفتهم بأبنائهم وأنفسهم!
ولا شك أن الحديث إلى رجل منفرداً أدعى إلى الأناة والتفهم، وتعمق الفكر، وبسط الحوار وتنوّعه في أودية الإقناع والتثبّت، ولا سيما إذا كان المتحدّث إليه يحمل مخايل التعقّل، وحكمة التدبر لا يسمع، وقد كان الظن كذلك بعتبة، فقريش بعثته سفيرها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأنها رأته أعقلها وأعلمها بما