وعشرون سنة، أيقن أن محمداً - صلى الله عليه وسلم -، رسول الله حقًّا، وأن ما كان يمنحه الله من ثبات وقوة وتأييد ونصر، ليس إلا لأنه نبيّ حقًّا .. وما كان الله يؤيّد من يكذب عليه هذا التأييد الفريد في التاريخ, فسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تثبت لنا صدق رسالته بطريق عقلي بحت، وبطريق عملي بحت، ومن المؤكد أن المسلمين الذين لم يروا النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يشاهدوا معجزاته، إنما آمنوا بصدق رسالته للأدلة القاطعة على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - .. والقرآن الكريم هو المعجزة الكبرى التي تلزم كل عاقل منصف أن يؤمن بصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - في رسالته!
وهذا يختلف تماماً عن سير الأنبياء السابقين المحفوظة لدى أتباعهم، فهي تدلنا على أن الناس إنما آمنوا بهم لما رأوا على أيديهم من معجزات وخوارق، دون أن يحكّموا عقولهم في مبادئ دعواتهم فتذعن لهم!
وأوضح مثل لذلك عيسى -عليه السلام - فإن القرآن الكريم بيّن الدعامة الأولى في إقناع اليهود بصدق رسالته، وهي أن كل خارقة من الخوارق التي جاءهم بها من عند الله (١) هي في عمومها تتعلق بإنشاء الحياة أو ردّها أو ردِّ العافية، وهي فرع عن الحياة، ورؤية غيب بعيد عن مدى الرؤية .. والأناجيل الحاضرة تروي لنا أن هذه المعجزات هي وحدها التي كانت سبباً في إيمان الجماهير دفعة واحدة له، لا على أنه رسول، بل على أنه إله أو ابن إله، وحاشا لله!
ومن هنا نرى هذه الميزة الواضحة في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أنه من آمن به آمن عن اقتناع عقلي ووجداني، وإذا كان الله قد أكرم رسوله بالمعجزات الخارقة فما ذلك إلا لإكرامه له، وإفحام معانديه المكابرين!