للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهم في حساب .. إن ألسنتهم معقودة لا تنطق. وقد كانت تكذب وتفتري وتستهزئ، وإن أسماعهم وأبصارهم وجلودهم تخرج عليهم؛ لتستجيب لربّها طائعة مستسلمة، تروي عنهم ما حسبوه سرًّا، فقد يستترون ويظنون أن الله لا يراهم وهم يتخفون بنواياهم وبجرائمهم! يا للمفاجأة بسلطان الله الخفي، يغلبهم على أعضائهم فتلبي وتستجيب!

ويطول بنا الحديث في عرض ما اشتملت عليه السورة .. ولما استكملت وجوه الدلائل القاطعة مبثوثة في السماء والأرض على وجود الله ووحدانيّته وعظيم قدرته (١)، وظهر أن هؤلاء المعاندين كانوا نماذج للفطرة الفاسدة والعقول الجامدة على تقليد موروث الآباء في جهالة جاهلة، وأنهم لم يستفيدوا من كتاب الكون الذي عرض القرآن الكريم آياته عليهم، واستنهضهم للنظر فيها .. نبّهت السورة في خاتمتها إلى أن الله تعالى سيجعل من سلائل الإنسانيّة نماذج أخرى. يضيء عقولهم، فيكشف لهم بها عن آياته في آفاق الحياة وجوانبها العلويّة والسفليّة، وعن آياته في أنفسهم وما انطوت عليه بنيتهم البدنيّة من أسرار التركيب، وبديع الخلق فيما ظهر منها وما بطن، وعن آياته فيما أودع أرواحهم من الأسرار النورانيّة، وما جعل في عقولهم من الإشراقات الفكريّة، وذلك في قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٥٤)} (فصلت).


(١) انظر: محمَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ٢: ٢٠٧ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>