عليهم باب المعارضة، بل فتحه على مصراعيه، بل دعاهم إليه أفراداً أو جماعات، بل تحدّاهم وكرّر عليهم ذلك التحدّي في صور شتَّى، متهكّماً بهم، متنزلاً معهم إلى الأخفّ فالأخفّ .. فدعاهم أوّل مرّة أن يجيئوا بمثله، ثم دعاهم أن يأتوا بعشر سور من مثله، ثم أن يأتوا بسورة واحدة مثله، ثم بسورة واحدة من مثله!
انظر كيف تنزّل معهم في هذه المرتبة من طلب المماثل إلى طلب شيء مما يماثل، كأنه يقول: لا أكلفكم بالمماثلة العامة، بل حسبكم أن تأتوا بشيء، فيه جنس المماثلة ومطلقها، وبما يكون مثلاً على التقريب لا التحديد، وهذا أقصى ما يمكن من التنزّل، ولذا كان هو آخر صيغ التحدّي نزولاً، فلم يجيء التحدّي بلفظ من مثال إلا في سورة البقرة المدنيّة، وسائر المراتب بلفظ (مثله) في السور التي نزلت قبل ذلك بمكة!
وقد أباح لهم في كل مرّة أن يستعينوا بمن شاءوا أو من استطاعوا من رماهم والعالم كله بالعجز في غير موارية، فقال: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨)} (الإسراء).
فانظر أيّ إلهاب، وأيّ استفزاز! لقد أجهز عليهم بالحكم الباب المؤكد في قوله {ولَن تَفعلُوا}، ثم هدّدهم بالنار، ثم سوّاهم بالأحجار، فلعمري لو كان فيهم لسان يتحرك لما صمتوا عن منافسته وهم الأعداء الألدّاء، وأباة