بمعجزته العظمى، ولم تظهر مطلقاً بادرة من بوادر المعارضة، فكان ذلك برهاناً قاطعاً على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فلا معنى إذن لطلب معجزات أخرى، والمعجزات الماديّة كالتي طلبها المعاندون تعنتاً ليست من مراقي الإعجاز في رسالة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن رسالته - صلى الله عليه وسلم - رسالة علم وفكر وهدى وخلود، فمعجزتها يجب أن تكون معجزة عقليّة علميّة هاديةً خالدةً، لا ينقطع التحدّي بها زمناً من الأزمان، ولا جيلاً من الأجيال! ولو كان كل متعنّت يقترح شيئاً على الرسول - صلى الله عليه وسلم - تجب إجابته إلى اقتراحه لفتح باب العناد، واقترح كل معاند كفور العناد في كل وقت مقترحات يعنّت بها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيصبح الأمر عبثاً وفوضى، وهذا إفساد للحياة!
قال القرطبي (١): قرأ أهل مكة والشام {قال سبحان ربي} يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -، أي قال ذلك تنزيهاً لله -عزّ وجلّ- عن أن يعجز عن شيء، وأن يعترض عليه في فعل، وقيل: هذا كله تعجب عن فرط كفرهم واقتراحاتهم!
وقال بعض الملحدين: ليس هذا جواباً مقنعاً، وغلطوا؛ لأنه أجابهم فقال: إنما أنا بشر لا أقدر على شيء مما سألتموني، وليس لي أن أتخيّر على ربي، ولم تكن الرسل قبلي يأتون أممهم بكل ما يريدونه ويبغونه، وسبيلي سبيلهم، وكانوا يقتصرون على ما آتاهم الله من آياته الدالة على صحة نبوتهم، فإذا أقاموا عليهم الحجة لم يجب لقومهم أن يقترحوا غيرها، ولو وجب على الله أن يأيتهم بكل ما يقترحونه من الآيات لوجب عليه أن يأتيهم بمن يختارونه من الرسل، ولوجب لكل إنسان أن يقول: لا أومن حتى أوتى بآية خلاف ما طلب غيري، وهذا يؤول إلى أن يكون التدبير للناس، وإنما التدبير إلى الله تعالى!