للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذلك من الأمراض العامَّة النَّاشئة عن فساد الهواء يُسمَّى طاعونًا بطريق المجاز لاشتراكهما في عُموم المرض به، وهذا لا يعارضُ حديث «الطَّاعون وخزُ أعدائكُم من الجنِّ» إذ يجوزُ أنَّ (١) ذلك يحدُث عن (٢) الطَّعنة الباطنة فتُحدث منها المادَّة السُّميَّة، ويهيجُ الدَّمُ بسببها، وإنَّما لم تتعرَّض الأطباءُ لكونه من طعن الجنِّ؛ لأنَّه أمرٌ لا يُدرك بالعقلِ وإنَّما عُرف من جهة الشَّارع فتكلَّموا في ذلك بما (٣) اقتضتْهُ قواعدُهم، لكن في وقوع الطَّاعونِ في أعدلِ الفُصولِ وأصحِّ البلاد هواءً وأطيبها ماءً دلالة على أنَّ الطَّاعون إنَّما يكون من طعن الجنِّ، ولأنَّه لو كان بسبب فسادِ الهواء لدام في الأرضِ؛ لأنَّ الهواءَ يفسدُ تارةً ويصحُّ أخرى، والطَّاعونُ يذهبُ أحيانًا ويجيء أحيانًا على غير قياسٍ ولا تجربةٍ، وربَّما جاء سنةً على سنةٍ، وربَّما أبطأ سنينَ، وأيضًا لو كان من فسادِ الهواء لعمَّ النَّاسَ والحيوان، وربَّما يُصيب الكثير من النَّاسِ ولا يُصيبُ مَن هو (٤) بجانبهم ممَّن هو في مثل مزاجهِم، وربَّما يُصيب بعض أهل البيتِ الواحد ويسلمُ منه الآخرون منهم (٥)، وأمَّا ما يُذكر من أنَّه وخزُ إخوانكم من الجنِّ، فقال ابنُ حجر: إنَّهُ لم يجدهُ في شيءٍ من طُرق الحديث المسندة لا في الكُتب المشهورة، ولا الأجزاء المنثورةِ (٦) بعد التَّتبُّع الطَّويل البالغِ، وعزاه في «آكام المرجان» لـ «مسند أحمد» والطَّبرانيِّ، و «كتابُ الطَّواعين» لابن أبي الدُّنيا، ولا وجودَ له في واحدٍ منها.


(١) في (د) زيادة: «يكون».
(٢) في (م): «من».
(٣) في (د): «على ما».
(٤) «من هو»: ليست في (ص) و (م) و (د).
(٥) «منهم»: ليست في (ص)، وفي (م): «منه».
(٦) في (ب): «المنشورة».

<<  <  ج: ص:  >  >>