للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يثبت «عفا الشَّيء» بمعنى: تركه، بل أعفاه، و «عفا» يُعدَّى بـ «عن» إلى الجاني وإلى الذَّنب، قال الله تعالى: ﴿عَفَا اللّهُ عَنكَ﴾ [التوبة: ٤٣] وقال: ﴿عَفَا اللّهُ عَنْهَا﴾ (١) [المائدة: ١٠١] فإذا عُدِّي به إلى الذَّنب عُدِّي إلى الجاني باللَّام، كأنَّه قيل: فمن عُفِي له عن جنايته من جهة أخيه؛ يعني: وليَّ الدَّم، وذكره بلفظ الأخوَّة الثَّابتة بينهما من الجنسيَّة والإسلام؛ ليرقَّ له ويعطف عليه، قاله القاضي في «تفسيره» (فَالعَفْوُ: أَنْ يَقْبَلَ) الوليُّ (الدِّيَةَ) من المعفوِّ عنه (فِي) القتل (العَمْدِ ﴿فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾ يَتَّبِعُ) بتشديد الفوقيَّة وكسر الموحَّدة، ولأبي ذرٍّ: «يُتْبَع» بضمِّ المثنَّاة التَّحتيَّة (٢) وسكون الفوقيَّة وفتح الموحَّدة، أي: يطلب وليُّ المقتول الدِّيةَ (بِالمَعْرُوفِ) من غير عنفٍ (وَيُؤَدِّي) المعفوُّ عنه الدِّية (بِإِحْسَانٍ) من غير مطلٍ ولا بخسٍ، (﴿ذَلِكَ﴾) الحكم المذكور من العفو والدِّية (﴿تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾ مِمَّا كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) لأنَّ أهلَ التَّوراة كُتِب عليهم القصاص فقط، وحُرِّم عليهم العفو وأخذ الدِّية، وأهلَ الإنجيل العفوُ، وحُرِّم عليهم القصاص والدِّية، وخُيِّرت هذه الأمَّة المحمَّديَّة بين الثَّلاثة؛ القصاص والدِّية والعفو تيسيرًا عليهم وتوسعةً (﴿فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: ١٧٨]) أي: (قَتَلَ) بفتحات (بَعْدَ قَبُولِ الدِّيَةِ) فله عذابٌ موجعٌ في الآخرة، أو في الدُّنيا بأن يُقتَل لا محالة، قال سعيد بن أبي عَروبة عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة قال: قال رسول الله : «لا أعافي رجلًا» وفي روايةٍ: «أحدًا قَتَل بعد أخذه الدِّية» يعني: لا أقبل منه الدِّية، بل أقتله.

٤٤٩٩ - وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ) بن المثنَّى بن عبد الله بن أنس بن مالك بن النَّضر (الأَنْصَارِيُّ) وسقط «بن عبد الله» لأبي ذرٍّ، قال: (حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ) الطَّويل: (أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: كِتَابَُ اللهِ القِصَاصَُ) برفعهما على أنَّ «كتابُ الله» (٣): مبتدأٌ، و «القصاصُ»: خبره، ونصبهما على أنَّ الأوَّل إغراءٌ، والثَّاني بدلٌ منه، ونَصْب الأوَّل ورَفْع الثَّاني على أنَّه


(١) قوله: «وقال: ﴿عَفَا اللّهُ عَنكَ﴾» سقط من (د).
(٢) هكذا في (ص): «بضمِّ المثنَّاة»، وهو موافقٌ لـ «اليونينيَّة»، وفي باقي الأصول: «بفتح التحتية».
(٣) اسم الجلالة: ليس في (ص).

<<  <  ج: ص:  >  >>