للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(٧) (بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾): الغالب، من قولهم: عزَّ، إذا غلب، ومرجعه إلى القدرة المتعالية عن المعارضة، فمعناه: مركَّبٌ من وصفٍ حقيقيٍّ ونعتٍ تنزيهيٍّ، وقيل: القويُّ الشَّديد، من قولهم: عزَّ يعزُّ؛ إذا قوي واشتدَّ، ومنه قوله تعالى: ﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ [يس: ١٤] وقيل: عديم المثل، فيكون من أسماء التَّنزيه، وقيل: هو الذي تتعذَّر الإحاطة بوصفه ويعسر الوصول إليه، وقيل: العزيز من ضلَّت العقول في بحار عظمته، وحارت الألباب دون إدراك نعته، وَكَلَّتِ الألسن عن استيفاء مدح جلاله ووصف جماله، وحظُّ العارف منه أن يُعزَّ نفسه، فلا يستهينها بالمطامع الدنيئة، ولا يدانيها (١) بالسُّؤال من النَّاس والافتقار إليهم (﴿الْحَكِيمُ﴾ [إبراهيم: ٤]) ذو العلم القديم المطابق للمعلوم مطابقةً لا يتطرَّق إليها خفاءٌ ولا شبهةٌ، وأنَّه (٢) أتقن الأشياء كلَّها، فالحكمة: صفةٌ من صفات الذَّات يُظهِرها الفعل، وتعبِّر عنها المحكمات، وتشهد لها (٣) العقول بما شاهدته في الموجودات، كغيرها من صفات الحق، فتأمَّل ذلك في مسالك أفعاله، ومجاري تدبيره، وترتيب ملكه وملكوته، وقيام الأمر كلِّه به، وتطلَّب آثار ذلك في خلقه في السَّموات والأرض وما فيهنَّ وما بينهنَّ؛ من أفلاكٍ ونجومٍ وشمسٍ وقمرٍ، وتدبير ذلك وتقديره (٤) بأمرٍ محكمٍ مع دؤوب اختلاف اللَّيل والنَّهار وتقلُّبهما، وإيلاج كلِّ واحدٍ منهما في قرينه، وتكويرهما بعضهما على بعضٍ، وما يحدثه عن ذلك من العجائب المبدعات، والآيات البيِّنات بإحكامٍ متناسقٍ، وحِكَمٍ مستمَّرةِ الوجود، إلى غير ذلك من سائر أفعاله المتقنة وبدائعه المحكمة، ممَّا يكلُّ دونه النَّظر، وينحسر دونه البصر، ويزيد على القول، ويربو على الوصف، ولا يدرك كُنْهَه العقول، ولا يحيط به سوى اللَّوح المحفوظ، وأوَّل موضعٍ وقع فيه ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ في سورة إبراهيم [آية: ٤] وأمَّا مطلق ﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ فأوَّل ما وقع في «البقرة» في دعاء


(١) في غير (د) و (ع): «يدنِّسها».
(٢) في (د): «فإنَّه».
(٣) في (د) و (ع): «وتشهدها».
(٤) «وتقديره»: مثبتٌ من (د) و (س).

<<  <  ج: ص:  >  >>