للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إبراهيم لأهل مكَّة، قال في «اللُّباب»: والعزيز: هو الغالب الذي لا يُغلَب، والحكيم هو العليم الذي لا يجهل شيئًا، وهما بهذين التَّفسيرين صفةٌ للذَّات، وإن أُرِيد بـ «العزيز» أفعال العزَّة؛ وهو الامتناع من استيلاء الغير عليه، وأُرِيد بالحكيم (١) أفعال الحكمة؛ لم يكونا من صفات الذَّات، بل من صفات الفعل، والفرق بينهما: أنَّ صفات الذَّات أزليَّةٌ، وصفات الفعل ليست كذلك.

وقوله تعالى: (﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الصافات: ١٨٠]) من الولد والصَّاحبة والشَّريك، وثبت لأبي ذرٍّ والأَصيليِّ (٢) «عمَّا يصفون» وأضيف الرَّبُّ إلى العزَّة؛ لاختصاصه بها، كأنَّه قيل: ذو العزَّة كما تقول: صاحب صدقٍ؛ لاختصاصه بالصِّدق، ويجوز أن يراد أنَّه ما من عزَّةٍ لأحدٍ إلَّا وهو ربُّها ومالكها كقوله: ﴿وَتُعِزُّ مَن تَشَاء﴾ [آل عمران: ٢٦] وقوله تعالى: (﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ﴾ [المنافقون: ٨]) أي: ولله المنعة والقوَّة ولمن أعزَّ (٣) من رسوله والمؤمنين، وعزَّة كلِّ واحدٍ بقدر علوِّ مرتبته، فعزَّة الرَّسول بما خصَّه الله به من الخصائص التي لا تُحصَى والبراهين التي لا تُستَقصى، وعزَّة المؤمنين بما ورثوه من العلم النَّبويِّ، وهم في ذلك متفاوتون بقدر ميراثهم من ذلك العلم والهداية للخلق إلى الحقِّ، والعزيز: من لا تناله أيدي الشَّياطين ولا تبلغه رعونات الشَّهوات، فتذلَّلْ هداك الله لعزَّته وتضاءلْ لعظمته، وتضرَّع إليه في خلواتك عساه يَهَبُ لك عزًّا لا ذلَّ يصحبه، وشرفًا لا ضِعَة (٤) تتخلله، ثمَّ تذلَّل لأوليائه وأهل طاعته، وتعزَّز على كلِّ جبَّارٍ عنيدٍ.

(وَمَنْ حَلَفَ بِعِزَّةِ اللهِ وَصِفَاتِهِ) والعزَّة تحتمل -كما قال ابن بطَّالٍ-: أن تكون صفة ذاتٍ بمعنى القدرة والعظمة، فيحنث، وأن تكون صفة فعلٍ بمعنى القهر لمخلوقاته، فلا يحنث.


(١) في غير (د): «بالحكمة».
(٢) «والأصيليِّ»: سقط من (د).
(٣) في (د): «أعزَّه».
(٤) في (د) و (ع): «صنيعة»، وكلاهما تحريفٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>