وفي رواية أبي ذرٍّ على ما حكاه عياضٌ:«وَضَعَ» بفتح الضَّاد، فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للفاعل، وفي نسخةٍ معتمدةٍ:«وضِعٌ» بكسر الضَّاد مع التَّنوين (عِنْدَهُ) أي: علم ذلك عنده (عَلَى العَرْشِ) مكنونًا عن سائر الخلق، مرفوعًا عن حيِّز الإدراك، والله تعالى منزَّه عن الحلول في المكان؛ لأنَّ الحلول عَرَضٌ يَفْنى، وهو حادثٌ، والحادث لا يليق به تعالى، وليس الكَتْبُ لئلَّا ينساه، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، بل لأجل الملائكة الموكَّلين بالمكلَّفين، وفي «بدء الخلق»: [خ¦٣١٩٤]«فوق العرش» وفيه: تنبيهٌ على تعظيم الأمر وجلالة القدر، فإنَّ اللَّوح المحفوظ تحت العرش، والكتاب المشتمل على هذا الحكم فوق العرش، ولعلَّ السَّبب في ذلك -والعلم عند الله تعالى- أنَّ ما تحت العرش عالم الأسباب والمسبَّبات، واللَّوح يشتمل على تفاصيل ذلك، ذكره في «شرح المشكاة» والمكتوب هو قوله: (إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي) والمراد بالغضب لازمه، وهو إيصال العذاب إلى من يقع عليه الغضب؛ لأنَّ السَّبق والغلبة باعتبار التَّعلُّق، أي: تعلُّق الرَّحمة سابقٌ على تعلُّق الغضب؛ لأنَّ الرّحمة مقتضى ذاته المقدَّسة، وأمَّا الغضب فإنَّه متوقّفٌ على سابقةِ عملٍ من العبد الحادث.
والحديث سبق في أوائل «بدء الخلق»[خ¦٣١٩٤] وأخرجه مسلمٌ.
٧٤٠٥ - وبه قال:(حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ) قال: (حَدَّثَنَا أَبِي) حفص بن غياثٍ قال: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ) سليمان قال: (سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ) ذكوان (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁) أنَّه (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي) إن ظنَّ أنِّي أعفو عنه وأغفر فله ذلك، وإن ظنَّ أنِّي أعاقبه وأؤاخذه فكذلك، وفيه إشارة إلى ترجيح جانب الرَّجاء على الخوف، وقيَّده بعض أهل التَّحقيق بالمُحْتَضَر، وأمَّا قبل ذلك فأقوال: ثالثها: الاعتدال، فينبغي للمرء أن يجتهد بقيام وظائف العبادات، موقنًا بأنَّ الله يقبله ويغفر له؛ لأنَّه وعده (١) بذلك، وهو لا يخلف الميعاد،