بطيء الإثمار، فأجابه: غَرَسَ مَنْ قبلنا فأكلنا، ونغرس ليأكل من بعدنا، فقال أنوشروان: زِهْ، أي: أحسنت، وكان إذا قال: زِهْ؛ يعطي من قيلت له أربعة آلاف درهمٍ، فقال: أيُّها الملك كيف تعجب من شجري وإبطاء ثمره؟ فما أسرع ما أثمر؟ فقال: زِهْ، فزِيد أربعة آلاف درهمٍ أخرى، فقال: كلُّ شجرٍ يثمر في العام مرَّةً، وقد أثمرت شجرتي في ساعةٍ مرَّتين، فقال: زِهْ، فزِيدَ مثلها، فمضى أنوشروان فقال: إن وقفنا عليه؛ لم يكفه ما في خزائننا، ثمَّ إنَّ حصول هذه الصَّدقة المذكورة يتناول حتَّى مَنْ غرسه لعياله أو لنفقته؛ لأنَّ الإنسان يُثاب على ما سُرِق له وإن لم ينوِ ثوابه، ولا يختصُّ حصول ذلك بمن يباشر الغراس أو الزِّراعة، بل يتناول من استأجر لعمل ذلك، والصَّدقة حاصلةٌ حتَّى فيما عجز عن جمعه؛ كالسُّنبل المعجوز عنه بالحصيدة، فيأكل منه حيوانٌ، فإنَّه مندرجٌ تحت مدلول الحديث، واستُدلَّ به: على أنَّ الزِّراعة أفضل المكاسب، وقال به كثيرون، وقيل: الكسب باليد، وقيل: التِّجارة، وقد يُقال: كسب اليد أفضل من حيث الحلُّ، والزَّرع من حيث عموم الانتفاع، وحينئذٍ فينبغي أن يختلف ذلك باختلاف الحال، فحيث احتيج إلى الأقوات أكثر تكون الزِّراعة أفضل للتَّوسعة على النَّاس، وحيث احتيج إلى المتجر لانقطاع الطُّرق تكون التِّجارة أفضل، وحيث احتيج إلى الصَّنائع تكون أفضلَ، والله أعلم.
وهذا الحديث أخرجه المصنِّف أيضًا في «الأدب»[خ¦٦٠١٢]، والتِّرمذيُّ في «الأحكام».