وهناك (١) قولٌ ثالثٌ: وهو أنَّ كثيرًا من السُّور قد كانَ علم ترتيبهُ في حياتهِ ﷺ، كالسَّبع الطِّوال، والحواميمِ، والمفصَّلِ، وكقوله:«اقرؤوا الزَّهراوين البقرةَ وآل عمران» وإلى هذا مالَ ابن عطيَّة، وقال بعضُهم: لترتيبِ وضع السُّور في المصحفِ أشياء قد تطلعكَ على أنَّه توقيفيٌّ صادرٌ عن حكيمٍ: أحدها: بحسب الحروف كما في الحواميمِ، وثانيها: لموافقة أوَّل السُّور لآخر ما قبلها، كآخرِ الحمدِ في المعنى وأول البقرة، وثالثها: للوزنِ في اللَّفظ، كآخر ﴿تَبَّتْ﴾ وأول الإخلاص، ورابعها: لمشابهةِ جملةِ السُّورة لجملة الأخرى؛ مثل: الضَّحى و ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ﴾.
وقال بعضهم: سورة الفاتحة تضمَّنت الإقرار بالرُّبوبيَّة، والالتجاء إليه في دينِ الإسلام، والصِّيانة عن دينِ اليهوديَّة والنَّصرانيَّة، وسورةُ البقرةِ تضمَّنت قواعدَ الدِّين، وآل عمران مكمِّلة لمقصودها، فالبقرةُ بمنزلةِ إقامة الدَّليل على الحكم، وآل عمران بمنزلةِ الجوابِ عن شبهات الخُصوم، وسورة النِّساء تتضمَّن أحكام الأنساب التي بين النَّاس، والمائدةُ سورة العقود، وبها تمَّ الدِّين. انتهى.
وأمَّا ترتيبُ الآيات فإنَّه توقيفيٌّ بلا شكٍّ، ولا خلاف أنَّه من النَّبيِّ ﷺ، وهو أمرٌ واجبٌ وحكمٌ لازمٌ، فقد كان جبريلُ يقول: ضعْ آيةَ كذا في موضعِ كذا، وفيه حديثٍ أخرجه البيهقيُّ في «المدخل» و «الدلائل»، والحاكمُ في «المستدرك»، وقال: صحيحٌ على شرطهما.
(٧) هذا (بابٌ) بالتنوين: (كَانَ جِبْرِيلُ يَعْرِضُ القُرْآنَ) بفتح الياء وكسر الراء (عَلَى النَّبِيِّ ﷺ) أي: يستعرضُهُ ما أقرأهُ إيَّاه.