للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التَّركيبِ على خلاف الجادَّةِ، فإنَّا إذا قدَّرنا ما (١) بعدَ «لو» معمولًا لمحذوفٍ كانت «لو» باقيةً على اختصاصها بالفعل، ثمَّ قال: فإن قلت: إنَّ الزَّركشيَّ عنى خاصَّة بدخولها على الفعل الملفوظِ به لا المقدَّر. قلتُ: يردُ عليه حينئذٍ نحو قوله تعالى: ﴿قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ﴾ [الإسراء: ١٠٠] إلى غير ذلك (نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ (٢) اللهِ إِلَى قَدَرِ اللهِ) أطلق عليه فرارًا لشبهه به في الصُّورةِ وإن كان ليس فرارًا شرعيًّا، والمرادُ أنَّ هجوم المرءِ على ما يهلكُه منهيٌّ عنه ولو فعل لكان من قدرِ الله، وتجنُّبه ما يؤذِّيه مشروعٌ، وقد يُقدِّر الله وقوعه فيما فرَّ منه، فلو فعلهُ أو تركهُ لكان من قدرِ الله (أَرَأَيْتَ) أي: أخبرني (لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُِدْوَتَانِ) بضم العين وكسرها وسكون الدال المهملتين، أي: شاطئانِ وحافَّتانِ (إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ) بالخاء المعجمة المفتوحة والصاد المهملة المكسورة بعدها موحدة (وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ) بفتح الجيم وسكون الدال المهملة (أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ الجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ؟).

(قَالَ) ابنُ عبَّاسٍ بالسَّند السَّابق: (فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ) لم يشهدْ معهم المشاورةَ المذكورة (فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا) الَّذي اختلفتُم فيه (عِلْمًا. سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ) أي: بالطَّاعون (بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ) ليكون أسكن لأنفسكُم وأقطع لوساوسِ الشَّيطان (وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ) لئلَّا يكون معارضة للقدرِ، فلو خرج لقصدٍ آخر غير الفِرار جازَ (قَالَ) ابن عبَّاسٍ: (فَحَمِدَ اللهَ) تعالى (عُمَرُ) على مُوافقة اجتهادهِ واجتهادِ معظمِ الصَّحابةِ حديث رسولِ الله (ثُمَّ انْصَرَفَ) راجعًا إلى المدينةِ لأنَّه أحوطُ، ولرجحانِه بكثرَة القائلينَ به، مع موافقةِ اجتهادهِ للنَّصِّ المرويِّ عن الشَّارعِ .

وفي إسناد هذا الحديث ثلاثةٌ من التَّابعين في نسقٍ واحدٍ وصحابيَّان وكلُّهم مدنيُّون، وأخرجهُ مسلمٌ في «الطِّبِّ» وأبو داود في «الجنائزِ» والنَّسائيُّ في «الطِّبِّ».


(١) «ما»: ليست في (د).
(٢) في (م) هنا والموضع التالي: «قضاء».

<<  <  ج: ص:  >  >>