للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والنِّعم ودرءِ المفاسد والنِّقم على ما لا يحصَى بالعَدِّ، وقد بيَّن ذلك ما نقلَه في «الفتح» وأشارَ إليه في «قوت الأحياء» مع زيادة وهو أنَّ الله خلق الغضب من النَّار، وجعله غريزةً في الإنسان، فمهما قصدَ (١) أو نُوزع في غرضٍ ما اشتعلتْ نار الغضبِ وثارتْ حتَّى يحمرَّ الوجه والعينان من الدَّم؛ لأنَّ البشرةَ تحكي لون ما وراءها، وهذا إذا غضب على من دونهُ واستشعرَ القدرةَ عليه، وإن كان ممن (٢) فوقه تولَّد منه انقباض الدَّم من ظاهر الجلدِ إلى جوفِ القلب فيصفرُّ اللَّون حزنًا، وإن كان على النَّظير تردَّد الدَّم بين انقباضٍ وانبساطٍ فيحمرُّ ويصفرُّ، ويترتَّب على الغضبِ تغيُّر الظَّاهر والباطن كتغيُّر اللَّون والرِّعدة في الأطرافِ، وخروجِ الأفعال على غير ترتيبٍ واستحالةِ الخلقة حتَّى لو تراءى الغضبانُ نفسه في حال (٣) غضبه؛ لسكن غضبُه حياءً من قبحِ صورتهِ واستحالةِ خلقتهِ، هذا كلُّه في الظَّاهر، وأمَّا الباطن فقبحُه أشدُّ من الظَّاهر لأنَّه يولِّد الحقدَ في القلبِ، والحسدَ، وإضمارَ السُّوء، ويزيدُ (٤) الشَّماتةَ وهجرَ المسلم ومصارمتَه والإعراضَ عنه والاستهزاءَ والسُّخريةَ ومنعَ الحقوق، بل أوَّل شيءٍ يقبُحُ منه باطنُه، وتغيُّر ظاهرِهِ ثمرةُ تغيِّر باطنهِ، وهذا كلُّه أثرهُ في الجسد، وأمَّا أثرهُ في اللِّسان فانطلاقُه بالشَّتم والفُحش الَّذي يستحِي منه العاقلُ، ويندَمُ قائلُه عند سكونِ الغضب، ويظهرُ أثرُ الغضبِ أيضًا في الفعل بالضَّرب والقتلِ، وإن فاتَ بهربِ المغضوبِ عليه رجعَ إلى نفسهِ، فيمزِّق ثوبَ نفسهِ ويلْطِمُ خدَّه، وربما سقط صريعًا، وربَّما أغمِي عليه، وربَّما كسر الآنيةَ، وضربَ من ليس له في ذلك جريمةٌ، وبالاعتدالِ تتمُّ المصالح، وشفاء كلِّ علَّةٍ ضدُّها بلا إسرافٍ، فاقمعْ أسباب الغضبِ من الكِبْر والفَخْرِ والهزل والمزحِ والتَّعييرِ والمماراةِ والغدرِ والحرصِ على فضول المالِ أو (٥) الجاه، فإذا أُغْضِبتَ تثبَّتْ ثمَّ تفكَّر فضلَ كظمِ الغيظِ ونحوه، وأحسنْ تَفُزْ بما أخبرَ به تعالى: ﴿وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: ٦٩] أو اعْفُ، ولا تقابلْ فتُقابل، وأطعِ الله فيمن


(١) في (س): «صد».
(٢) في (د): «من».
(٣) في (د) و (ع): «حالة».
(٤) في (د) و (ع): «مزيد».
(٥) في (ص) و (د): «و».

<<  <  ج: ص:  >  >>