للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثمَّ من (١) علقةٍ، ثمَّ من مضغةٍ، ثمَّ جنينًا، ثمَّ طفلًا، ثمَّ رجلًا حتَّى تمَّ طوله، فلم يتنقلْ من الأطوارِ كذرِّيَّته، وفيه -كما قال ابن بطَّالٍ- إبطالُ (٢) قول الدَّهريَّة: إِنَّه لم يكن قطُّ إنسان إلَّا من نطفةٍ، ولا نطفة إلَّا من إنسانٍ، وقيل: إنَّ لهذا الحديث سببًا حُذِف من هذه الرِّواية، وإنَّ أوَّله قصَّة الَّذي ضرب عبده فنهاهُ النَّبيُّ عن ذلك، وقال له: «إنَّ اللهَ خلقَ آدمَ علَى صورتِهِ» رواه [أبو داود] (٣). وللبخاريِّ (٤) في «الأدب المفرد» وأحمد من طريق ابنِ عجلان، عن سعيدٍ، عن أبي هُريرة مرفوعًا: «لَا تقُولنَّ قبَّحَ اللهُ وجهَكَ ووجهَ مَن أشبَهَ وجهَكَ، فإنَّ اللهَ خلقَ آدمَ علَى صورتِهِ» وهو ظاهرٌ في عود الضَّمير على المقولِ له ذلك، وقيل: الضَّمير «لله» لِما في بعض الطُّرق «على صورة الرَّحمن» أي: على صفتهِ من العلم والحياة والسَّمع والبصر وغير ذلك، وإن كانتْ صفاتُ الله تعالى لا يُشْبهها شيءٍ. وقال التُّوربشتيُّ: وأهل الحقِّ في ذلك على طبقتين:

إحداهما: المتنزِّهون عن التَّأويلِ مع نفي التَّشبيه، وإحالةِ العلم إلى علمِ الله تعالى الَّذي أحاطَ بكلِّ شيءٍ علمًا، وهذا أسلمُ الطَّريقتين.

والطَّبقة الأخرى: يرون الإضافة فيها إضافة تكريمٍ وتشريفٍ، وذلك أنَّ الله تعالى خلقَ آدم على صورةٍ لم يشاكلْها شيءٌ من الصُّور في الجمالِ والكمال، وكثرة ما احتوتْ عليه من الفوائدِ الجليلة.

وقال الطِّيبيُّ: تأويل الخطَّابيُّ في هذا المقام حسنٌ يجبُ المصير إليه؛ لأنَّ قوله: «طوله» بيانٌ لقوله: «على صورتهِ» كأنَّه قيل (٥): خلقَ آدمَ على ما عُرف من صورتهِ الحسنةِ وهيئتهِ من الجمالِ والكمالِ وطول القامةِ، وإنَّما خصَّ الطُّول منها؛ لأنَّه لم يكن متعارفًا بين النَّاس.

وقال القرطبيُّ: كأنَّ مَن رواه «على صورة الرَّحمن» أورده بالمعنى متمسِّكًا بما توهَّمه، فغلطَ في ذلك، وقوله: «ستُّون ذراعًا» يحتملُ أن يريدَ بقدر ذراع نفسه، أو الذِّراع المتعارف


(١) «من» هنا وفي الموضع التالي: ليست في (ع) و (د).
(٢) «إبطال»: ليست في (د).
(٣) بدل ما بين معقوفين بياضٌ في الأصول.
(٤) في (د): «رواه البخاريُّ».
(٥) في (ص): «قال».

<<  <  ج: ص:  >  >>