للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والزُّهريِّ وابن سيرين والثَّوريِّ، واحتجَّ له ابن المنذر بأنَّ ترك أهل العلم بيع النَّاس أبعار الغنم في أسواقهم، واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم قديمًا وحديثًا من غير نكيرٍ، دليلٌ على طهارتهما، وأُجيب بأنَّ المُختلَف فيه لا يجب إنكاره، فلا يدلُّ ترك إنكاره على جوازه فضلًا عن طهارته، وذهب الشَّافعيُّ وأبو حنيفة والجمهور إلى أنَّ الأبوال كلَّها نجسةٌ إلَّا ما عُفِيَ عنه، وحملوا ما في الحديث على التَّداوي، فليس فيه دليلٌ على الإباحة في غير حال الضَّرورة، وحديث أمِّ سُليمٍ المرويُّ عند أبي داود: «إنَّ الله لم يجعل شفاء أمَّتي فيما حُرِّم عليها» محمولٌ على حالة الاختيار، وأمَّا حالة الاضطرار فلا حرمة كالميتة للمضطرِّ، لا يُقال يردُّ عليه قوله في الخمر: «إنَّها ليست بدواءٍ، إنَّها داءٌ» في جواب من سأله (١) عن التَّداوي بها كما رواه مسلمٌ لأنَّا نقول: ذلك خاصٌّ بالخمر، ويلتحق به غيره من المسكر، والفرق بين الخمر وغيره من النَّجاسات أنَّ الحدَّ ثبت باستعماله في حالة الاختيار دون غيره، ولأنَّ شربه يجرُّ إلى مفاسدَ كثيرةٍ، وأمَّا أبوالِ الإبل فقد روى ابن المنذر عن ابن عبَّاسٍ مرفوعًا: «إنَّ في أبوال الإبل شفاءً للذَّرِبة بطونهم»، والذَّرب: فساد المعدة، فلا يُقاس ما ثبت أنَّ فيه دواءً على ما ثبت نفيُ الدَّواء عنه، وظاهرُ قول المؤلِّف في التَّرجمة: «أبوال الإبل والدَّوابِّ» جعل الحديث حجَّةً لطهارة الأرواث والأبوال مُطلَقًا كالظَّاهريَّة (٢)، إلَّا أنَّهم استثنَوا بول الآدميِّ وروثه (٣)، وتُعقِّب بأنَّ القصَّة في أبوال المأكول، ولا يسوغ قياس غير المأكول على المأكول لظهور الفرق، وبقيَّة مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى.

ورواته الخمسة بصريُّون، وفيه: رواية تابعيٍّ عن تابعيٍّ، والتَّحديث والعنعنة، وأخرجه


(١) في غير (ص) و (م): «سأل».
(٢) في (م): «كالطَّاهر»، وهو تحريفٌ.
(٣) «وروثه»: سقط من (ص).

<<  <  ج: ص:  >  >>