للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بإسنادٍ لا بأس به، وقيل: المراد بقوله: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ الأمرُ بالعبادةِ بدليل قوله بعد: (﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: ٦٠]) صاغرينَ ذليلين، والدُّعاء بمعنى العبادة كثيرٌ في القرآن، كقوله: ﴿إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا﴾ [النساء: ١١٧] وأجاب الأوَّلون: بأنَّ هذا ترك للظَّاهر فلا يُصار إليه إلَّا بدليلٍ. وقال العلَّامة تقيُّ الدِّين (١) السَّبكيُّ: الأولى حملُ الدُّعاء في الآية على (٢) ظاهرهِ، وأمَّا قوله بعد ذلك: ﴿عَنْ عِبَادَتِي﴾ فوجه الرَّبط أنَّ الدُّعاء أخصُّ من العبادةِ، فمن استكبرَ عن العبادةِ استكبرَ عن الدُّعاء، وعلى هذا فالوعيدُ في حقِّ مَن تركَ الدُّعاء استكبارًا، ومَن فعل ذلك كفرَ. انتهى.

وتخلُّف الدُّعاء عن الإجابةِ إنَّما هو لفقدِ شرطه، وفي قوله تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠] إشارة إلى أنَّ مَن دعا الله وفي قلبه ذرَّةٌ من الاعتماد على مالهِ، أو جاههِ، أو أصدقائهِ، أو اجتهادهِ، فهو في الحقيقةِ ما دعا الله إلَّا باللِّسان، وأمَّا القلب فإنَّه يُعَوِّل في تحصيلِ ذلك المطلوب على (٣) غير الله، وأمَّا إذا دعا الله تعالى في وقتٍ لا يكون القلب فيه مُتلفتًا إلى غيرِ الله، فالظَّاهر أنَّه يُستجاب له.

واستُشكل حديث: «مَن شغلَهُ ذِكرِي عن مسألَتِي أعطيتُهُ أفضَلَ ما أُعطِي السَّائلينَ» المقتضِي لأفضليَّة ترك الدُّعاء حينئذٍ مع الآية المقتضيةِ للوعيد الشَّديد على تركهِ. وأُجيب بأنَّ العقلَ إذا كان مستغرقًا في الثَّناء كان أفضل من الدُّعاء؛ لأنَّ الدُّعاء طلب الجنَّة، والاستغراق في معرفةِ جلال الله أفضل من الجنَّة، أمَّا إذا لم يحصلِ الاستغراقُ كان الاشتغال بالدُّعاء أَولى؛ لأنَّ الدُّعاء يشتملُ على معرفةِ عزِّ الرُّبوبيَّة وذلِّ العبوديَّة، والصَّحيح استحبابُ الدُّعاء، ورجَّح بعضُهم تركه استسلامًا للقضاء، وقيل: إنَّ دعا لغيره فحسنٌ، وإن خصَّ نفسه فلا، وقيل: إن وجد في نفسهِ باعثًا للدعاء استُحِبَّ وإلَّا فلا، وسقط لأبي ذرٍّ قوله: «﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ … » إلى آخره، وقال بدله: «الآية».

(وَلِكُلِّ نَبِيٍّ) ولأبي ذرٍّ: «بابٌ» بالتَّنوين «لكلِّ نبيٍّ» (دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ).


(١) في (ص): «التقي».
(٢) في (د) و (ع): «الأولى حمله على».
(٣) في (ص): «إلى».

<<  <  ج: ص:  >  >>