للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أوزارَهُم. قال: ومن كلمات شيخنا شيخِ الإسلام أبي حفصٍ السَّهرورديِّ: لا ينبغِي أن يُعتقدَ أنَّ الغين نقصٌ في حاله صلوات الله عليه وسلامه، بل هو (١) كمالٌ، أو (٢) تتمَّة كمالٍ، وهذا سرٌّ دقيقٌ لا ينكشفُ إلَّا بمثالٍ، وهو أنَّ الجفنَ المسبل على حدقةِ البصر وإن كانتْ صُورته صورةَ نُقصانٍ من حيث هو إسبالٌ وتغطيةٌ على ما من شأنهِ أن يكون باديًا مكشوفًا، فإنَّ المقصودَ من خلق العين إدراك المدركات الحسِّيَّة، وذلك لا يتأتَّى إلَّا بانبعاثِ الأشعَّة الحسِّيَّة من داخلِ العين، واتِّصالها بالمرئيَّات على مذهب قومٍ، وبانطباع صور المدركات في الكرةِ الجليديَّة على مذهبٍ آخر، فكيفما قُدِّر لا يتمُّ المقصود إلَّا بانكشافِ العين عمَّا (٣) يمنع من انبعاث الأشعَّة عنها، ولكن لمَّا كان الهواء المحيط بالأبدانِ الحيوانيَّة قلَّما يخلو من الأغبرةِ الثَّائرة بحركة الرِّياح، فلو كانت الحدقةُ دائمة الانكشافِ لاستضرَّت بملاقاتها وتراكمها عليها، فأُسبلت أغطية الجفون (٤) وقايةً لها ومصقلةً لتنصقلَ الحدقةُ بإسبال الأهدابِ ورفعها لخفَّة حركةِ الجفن، فيدوم جلاؤها ويحتدَّ نظرها، فالجفنُ وإن كان نقصًا ظاهرًا فهو كمالٌ حقيقةً، فكذا لم تزل بصيرة النَّبيِّ متعرِّضةً (٥) لِأَنْ تصدأَ بالأغبرة الثَّائرة من أنفاسِ الأغيار، فلا جرم دعت الحاجة إلى إسبال جفنٍ من العين (٦) على حدقةِ بصيرته سترًا لها ووقايةً، وصقالًا عن تلكَ الأغبرة المثارةِ برؤيةِ الأغيار وأنفاسها، فصحَّ أنَّ الغين وإن كانت صورته نقصًا فمعناه كمالٌ وصقالٌ حقيقةً.

ثمَّ قال أيضًا: إنَّ روح النَّبيِّ لم تزل في التَّرقِّي (٧) إلى مقاماتِ القُرب مستتبعة للقلبِ في رقيِّها إلى مَركزها، وهكذا القلبُ كان يستتبعُ نفسه الزَّكيَّة، ولا خفاء أنَّ حركة الرُّوح والقلب أسرع وأتمُّ من نهضة النَّفس وحركتها، فكانت خُطى النَّفس تقصر عن (٨) مدى الرُّوح والقلب في


(١) «هو»: ليست في (س).
(٢) في (ع): «كما قال».
(٣) في (ص): «عنها»، وفي (د): «عن ما».
(٤) في (ص): «الحيوان»، وفي (د): «الجنون».
(٥) في (ب) و (س): «معترضة».
(٦) في (ب) و (س): «الغين».
(٧) في (ص) و (ل): «الرُّقيِّ».
(٨) في (ص): «من».

<<  <  ج: ص:  >  >>