للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الآخر (١): «كذبابٍ مرَّ» أو هو (٢) قوله: (كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ) لقوَّة إيمانه وشدَّة خوفه، فلا يأمن العقوبةَ بسبب ذنوبه، والمؤمنُ دائم الخوف والمراقبة، يستصغرُ عمله الصَّالح، ويخافُ من صغيرِ عمله (وَإِنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ) بالمعجمة، الطَّير المعروف (مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ) فلا يُبالي به لاعتقادهِ عدم حصولِ كبير ضررٍ بسببهِ (فَقَالَ بِهِ) بالذُّباب (هَكَذَا) أي: نحَّاهُ بيدهِ أو دفعهُ، وهو من إطلاق القول على الفعلِ، فالفاجر لقلَّة علمه يقلُّ خوفه فيستهين بالمعصيةِ، ودلَّ التَّمثيل الأوَّل على غايةِ (٣) الخوف والاحترازِ من الذُّنوب، والثَّاني على نهايةِ قلَّة المبالاة والاحتفالِ بها (٤).

(قَالَ أَبُو شِهَابٍ) الحنَّاط المذكور بالسَّند السَّابق في تفسير قوله: «فقال به» أي: (بِيَدِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ) والتَّعبير بالذُّباب؛ لكونه أخفَّ الطَّير وأحقرَهُ، ولأنَّه يُدفع بالأقلِّ، وبالأنف للمبالغةِ في اعتقاده خفَّة الذَّنب عنده؛ لأنَّ الذُّباب قلَّما ينزلُ عن الأنف، وإنَّما يقصد غالبًا العين، وباليد تأكيدًا للخفَّة.

(ثُمَّ) قال ابن مسعودٍ: (قَالَ) رسول الله : (لَلَّهُ) بلام التَّأكيد المفتوحة (أَفْرَحُ) أرضى (بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ) وأَقْبَلُ لها، والفرح المتعارفُ في نعوتِ بني آدم غير جائزٍ على الله تعالى؛ لأنَّه اهتزازُ طربٍ يجدُه الشَّخص في نفسهِ عند ظفرِهِ بغرضٍ يستكمِلُ به نقصانه (٥) أو يسدُّ به (٦) خلَّته، أو يدفعُ به عن نفسهِ ضررًا أو نقصًا، وإنَّما كان غير جائزٍ عليه تعالى لأنَّه الكاملُ بذاتهِ الغنيُّ بوجودِهِ الَّذي لا يلحقُه نقصٌ ولا قصورٌ، وإنَّما معناه: الرِّضا، والسَّلف فهموا منه ومن أشباهه ما وقع التَّرغيب فيه من الأعمال والإخبارِ عن فضلِ الله، وأثبتُوا هذه الصِّفات له تعالى، ولم يشتغلُوا بتفسيرهَا مع اعتقادهِم تنزيهَهُ تعالى عن صفاتِ المخلوقين، وأمَّا مَن اشتغلَ بالتَّأويل فله طريقان: أحدهما: أنَّ التَّشبيه مركَّبٌ عقليٌّ من غير نظرٍ على مفرداتِ التَّركيب،


(١) في (ب): «الآخرة».
(٢) في (د): «وهو».
(٣) في (ع): «عامة».
(٤) «بها»: ليست في (د).
(٥) في (ص): «نقصًا به».
(٦) في (ع): «ليسد به».

<<  <  ج: ص:  >  >>