للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القلب مقرُّ الفكرة (١) في آلاء الله، والبصر مَسارح آيات الله المصونة، والأسماع مراسي أنوار وحي الله ومحطُّ آياته المنزلة، وخصَّ اليمين والشِّمال بـ «عن» إيذانًا بتجاوز الأنوار عن قلبهِ وسمعهِ وبصرهِ إلى مَن عن يمينهِ وشمالهِ من أتباعهِ، قاله الطِّيبيُّ (وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا) ثمَّ أجمل ما فصَّله بقوله: (وَاجْعَلْ لِي نُورًا) فذلكَةً لذلك وتوكيدًا له، وقد سأل النُّور في أعضائهِ وجهاته ليزدادَ في أفعاله وتصرُّفاته ومتقلَّباته نورًا على نورٍ، فهو دعاءٌ بدوام ذلك، فإنَّه كان حاصلًا له لا محالة، أو هو تعليمٌ لأمَّته.

وقال الشَّيخ أكمل الدِّين: أمَّا النُّور الَّذي عن يمينه فهو المؤيِّد له والمعين على ما يطلبه من النُّور الَّذي بين يديه، والَّذي عن يساره نور الوقاية، والَّذي خلفه فهو النُّور الِّذي يسعى بين يدي مَن يقتدي به ويتبعه، فهو لهم من بين أيدِيهم وهو له من خلفهِ فيتَّبعونَه على بصيرةٍ، كما أنَّ المتَّبع على بصيرةٍ، قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف: ١٠٨] وأمَّا (٢) النُّور الَّذي فوقه فهو تنزُّل نورٍ إلهيٍّ قدسيٍّ بعلمٍ غريبٍ لم يتقدَّمه خبرٌ، ولا يعطيه نظرٌ، وهو الَّذي يعطي من العلم بالله ما تردُّه (٣) الأدلَّة العقليَّة إذا لم يكن لها إيمانٌ، فإن كان لها إيمانٌ نُوراني قبلته بتأويلٍ للجمع بين الأمرين وقوله: «واجعل لي نورًا» يجوز أنَّه أراد نورًا عظيمًا جامعًا للأنوار كلِّها يعني الَّتي ذكرها هنا والَّتي لم يذكرها، كأنوار السَّماء الإلهيَّة، وأنوار الأرواح وغير ذلك، وتحقيقُ هذا المقام يقتضي بسطًا يخرج عن غرضِ الاختصار.

(قَالَ كُرَيْبٌ) مولى ابن عبَّاسٍ بالسَّند المذكور: (وَسَبْعٌ) من الكلمات أو الأنوار (فِي التَّابُوتِ) الصَّدر الَّذي هو (٤) وعاءُ القلبِ تشبيهًا بالتَّابوت الَّذي يحرزُ فيه المتاع، أو التَّابوت الَّذي كان لبني إسرائيل فيه السَّكينة، أو الصُّندوق، أي: سبعٌ مكتوبةٌ عند كُريبٍ لم يحفظها ذلك الوقت، أو المراد بالتَّابوت حينئذٍ أنَّ السَّبعة بجسدِ الإنسان لا بالمعاني كالجهات السِّتِّ. قال كُريبٌ أو سلمة بن كُهيلٍ: (فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ وَلَدِ العَبَّاسِ) هو عليُّ بن عبد الله بن العبَّاس (فَحَدَّثَنِي


(١) في (د) و (ص) و (ع) و (ل): «الفكر».
(٢) في (د): «فأما».
(٣) في (ع): «تزده».
(٤) في (ع): «هي».

<<  <  ج: ص:  >  >>