للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(بِمُبَاعِدِهِ) بكسر العين، يعني: أنَّ معنى قوله: ﴿فَمَن زُحْزِحَ﴾ (١) بُوعِدَ، وأصل الزَّحزحة: الإزالة، ومن أزيلَ عن شيءٍ فقد بُوْعِدَ منه، وهذا ثابتٌ هنا لأبي ذرٍّ عن المُستملي والكُشميهنيِّ، وسقط لأبي ذرٍّ من قوله «﴿وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾» إلى آخر قوله «﴿الْغُرُورِ﴾».

(وقَوْلِهِ) تعالى: (﴿ذَرْهُمْ﴾) أمرُ إهانةٍ، أي: اقطَعْ طمعَك من ارعوائهم، وَدَعْ عنك (٢) النَّهي عمَّا هم عليه بالتَّذكرة والنَّصيحة وخلِّهم (﴿يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ﴾) بدُنياهم فهي خلاقهم، ولا خَلاق لهم في الآخرة (﴿وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ﴾) يشغلُهم الأملُ عن الأخذِ بحظِّهم من الإيمان والطَّاعة (﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [الحجر: ٣]) إذا وردوا القيامةَ وذَاقوا وبالَ صنيعِهم، وفيه تنبيهٌ على أنَّ إيثار التَّلذُّذ والتَّنعُّم وما يؤدِّي إليه طولُ الأمل ليسَ من أخلاقَ المؤمنين، وهذا تهديدٌ ووعيدٌ، وقال بعضُ العلماء: ﴿ذَرْهُمْ﴾ تهديدٌ، و ﴿وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾: تهديدٌ آخر، فمتى يهنأ العيشُ بين تهديدين، والآية نسختها آية القتال، وسقط لأبي ذرٍّ «﴿وَيُلْهِهِمُ﴾ … » إلى آخره، وقال بعد قوله: ﴿وَيَتَمَتَّعُواْ﴾: «الآية».

(وَقَالَ عَلِيٌّ) من قوله موقوفًا، ولأبي ذرٍّ: «عليُّ بن أبي طالبٍ»: (ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا) حال كونها (مُدْبِرَةً وَارْتَحَلَتِ (٣) الآخِرَةُ) حالَ كونها (مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا) من الآخرةِ والدُّنيا، ولأبي ذرٍّ عن المُستملي: «منها» (بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ اليَوْمَ عَمَلٌ) قال في «الكواكب»: فإن قلتَ: اليوم ليس عملًا بل فيه العملُ، ولا يمكن تقدير «في» وإلَّا وجبَ نصب «عملٍ»؟ وأجاب بأنَّه جعلهُ نفس العمل مبالغةً كقولهم: أبو حنيفة فقهٌ، ونهاره صائمٌ (وَلَا حِسَابَ) فيه (وَغَدًا حِسَابٌ) بالرَّفع (وَلَا عَمَلَ) فيه، أي: فإنَّه على أنَّ اسمَ «إنَّ» ضمير شأن (٤) حذفَ، وهو عندَهم قليلٌ، أو هو على حذفِ مضافٍ إمَّا من


(١) في (د) زيادة: «عن النار».
(٢) في (د): «عن».
(٣) في (ع): «أقبلت».
(٤) «شأن»: ليست في (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>