للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالمال هنا الدُّنيا؛ لأنَّه من زينتها، كما قال تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف: ٤٦] (وَإِنَّ كُلَّ مَا أَنْبَتَ الرَّبِيعُ) أي: الجدول، وهو النَّهر الصَّغير، وإسنادُ الإنباتِ إليه مجازٌ؛ إذ المنبتُ حقيقةً هو الله تعالى (يَقْتُلُ حَبَطًا) بفتح الحاء المهملة والموحدة والطاء المهملة المنوَّنة، انتفاخُ بطنٍ من كثرةِ الأكلِ، يقال: حبطت الدَّابة تحبط حَبطًا، إذا أصابتْ مرعًى طيِّبًا، فأمعنتْ في الأكلِ حتَّى تنتفخَ فتموت (أَوْ يُلِمُّ) بضم التَّحتية وكسر اللام وتشديد الميم، يُقَرِّب من الهلاكِ، والمعنى: يقتل (١) أو يُقارب القتل (إِلَّا) بتشديد اللَّام (آكِلَةَ الخَضِرَةِ) من بهيمةِ الأنعامِ، وشبَّه بها؛ لأنَّها الَّتي أَلِفَ المخاطبون أحوالهَا في سَومها ورعيهَا وما يعرض لها من البشمِ وغيره، و «آكلة» بمدِّ الهمزة وكسر الكاف، و «الخَضِرة» بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين، ضربٌ من الكلأ تحبُّه الماشية وتستلذُّ منه فتستكثر (٢) منه. قال في «المصابيح»: إنَّ الاستثناء مُنقطعٌ، أي: لكنَّ آكلةَ الخَضِرة لا يقتلها أكلُ الخضِرة ولم يلمَّ بقتلها، وإنَّما قلنا: إنَّه منقطعٌ لفوات شرط الاتِّصال، ضرورةَ كون الأوَّل غير شاملٍ له على تقدير عدم الثّنيا، وذلك لأنَّ «من» فيه تبعيضيَّة، فكأنَّه يقول: إنَّ شيئًا ممَّا ينبتُ يقتلُ حبطًا أو يلمُّ، وهذا لا يشملُ مأكولَ آكلةِ الخضرةِ ظاهرًا؛ لأنَّه نكرةٌ في سياقِ الإثباتِ. نعم في هذا اللَّفظ الثَّابت في الطَّريق المذكورة هنا، وهو قوله: «وإنَّ كلَّ ما أنبت الرَّبيع يقتل حبطًا أو يُلمُّ» يتأتَّى جعلُ الاستثناء متَّصلًا لدخول المُستثنى في عموم المُستثنى منه، وليس المُستثنى في الحقيقةِ هو الآكلة نفسها وإلَّا كان مُنْقطعًا، وإنَّما المُستثنى محذوفٌ تقديره: مأكولُ آكلةِ الخَضِرة، فَحُذِفَ المضاف، وأُقيمَ المضاف إليه مقامه. انتهى.

ولأبي ذرٍّ عن الكشميهنيِّ: «الخضر» بغير هاء، وله عن الحَمُّويي والمُستملي: «الخُضْرة» بضم الخاء وسكون الضاد، وفي بعض النُّسخ: «ألا» بتخفيف اللام وفتح الهمزة، على أنَّها استفتاحيَّة، كأنَّه قال: ألا انظروا آكلةَ الخَضِرة، واعتبروا بشأنها (أَكَلَتْ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: «تأكل» (حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا) بالتَّثنية، أي: جَنباها، أي: امتلأت شبعًا وعَظُم جنباها، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: «خاصرتهَا» بالإفراد (اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ) فتحمَى،


(١) في (ص): «مقتل».
(٢) في (د): «فتكثر».

<<  <  ج: ص:  >  >>