للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تصرُّف الرُّواة، ثمَّ نسبةُ الامتلاءِ للجوفِ واضحةٌ، والبطنُ بمعناه، وأمَّا النَّفس فعبَّر بها عن الذَّات وأطلق الذات (١)، وأرادَ البطن من بابِ إطلاقِ الكلِّ وإرادةِ البعض، ويُحتمل أن يكون المراد بالنَّفس العين (٢)، وأمَّا النِّسبة إلى الفمِ فلكونه طريق الوصولِ إلى الجوف، وأمَّا العين فلأنَّها الأصلُ في الطَّلب؛ لأنَّه يرى ما يعجبُه فيطلبه ليحوزهُ إليه (٣)، وخصَّ البطن في أكثر الرِّوايات؛ لأنَّ أكثرَ ما يطلب المال لتحصيلِ المستلذَّات، وأكثرها تكرار الأكل والشُّرب.

(وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ) قال في «شرح المشكاة»: يمكن أن يُقال: معناه: إنَّ بني آدم مجبولون على حبِّ المال والسَّعي في طلبهِ، وأن لا يشبع منه إلَّا من عصمَه الله تعالى ووفَّقه لإزالةِ هذه الجِبلَّة عن (٤) نفسهِ، وقليلٌ ما هم، فوضعَ «ويتوبُ الله على من تابَ» موضعه إشعارًا بأنَّ هذه الجِبلَّة المذكورة فيه مذمومةٌ جاريةٌ مجرى الذَّنْب، وأنَّ (٥) إزالتها ممكنةٌ، ولكن بتوفيق من الله تعالى وتسديدهِ، ونحوه قوله تعالى: ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: ٩] أضاف الشُّحَّ إلى النَّفس دَلالة على أنَّه (٦) غريزةٌ فيها، وبَيَّن إزالتَهُ بقوله: ﴿يُوقَ﴾ (٧)، ورتَّب عليه قوله: ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: ٩].

وههنا نكتةٌ دقيقةٌ (٨)، فإنَّ في ذكر بني آدم تلويحًا إلى أنَّه مخلوقٌ من التُّراب، ومن طبعهِ القبض واليبس، فيُمكن إزالته بأن يمطرَ الله عليه السَّحاب من غمائمِ توفيقهِ، فيثمرُ حينئذٍ الخلال الزَّكيَّة والخصال المرضيَّة، ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا﴾ فمن لا يتداركه التَّوفيقُ وتركَه وحرصَه لم يزددْ إلَّا حرصًا وتهالكًا على جمع


(١) قوله: «وأطلق الذات» من (د) وهو موافق للفتح.
(٢) في (د) و (ص) و (ع): جاءت بعد لفظ «إلى الجوف» الآتي.
(٣) «إليه»: ليست في (د) و (ص) و (ع).
(٤) في (د): «من».
(٥) في (د): «ولأن».
(٦) في (د) و (ص) و (ع): «أنها».
(٧) في (ص): «﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ﴾».
(٨) في (ص): «لطيفة».

<<  <  ج: ص:  >  >>