المدينيِّ، وليس له في البخاريِّ سوى هذا الحديث الواحد وقد توبع فيه، قال:(حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ) المدنيُّ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عوف (عَنْ عَائِشَةَ)﵂(عَنِ النَّبِيِّ ﷺ) أنَّه (قَالَ: سَدِّدُوا) أي: اقصدوا السَّداد وهو الصَّواب (وَقَارِبُوا) أي (١): اقصدوا الأمور الَّتي لا غُلُوَّ فيها ولا تقصير (وَأَبْشِرُوا) بالثَّوابِ على العملِ وإن قلَّ، وهمزة «أبشروا» قطع (فَإِنَّهُ لَا يُدْخِلُ) بضم التَّحتية وكسر المعجمة (أَحَدًا الجَنَّةَ عَمَلُهُ، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِمَغْفِرَةٍ) منه (وَرَحْمَةٍ) قال الرَّافعيُّ: فيه أنَّ العاملَ لا ينبغي أن يتَّكل على عملهِ في طلب النَّجاةِ، ونيل الدَّرجات؛ لأنَّه إنَّما عملَ بتوفيقِ الله، وإنَّما تركَ المعصيةَ بعصمةِ الله، فكلُّ ذلك بفضلهِ ورحمتهِ.
واستُشكلَ قوله:«لن يُدخِلَ أحدًا الجنَّة عملُه» مع قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الزخرف: ٧٢] وأُجيب بأنَّ أصل الدُّخول إنَّما هو برحمةِ الله، واقتسامُ المنازل فيها بالأعمال، فإنَّ درجاتِ الجنَّة متفاوتةٌ بحسب تفاوتِ الأعمال، فإن قلتَ: قوله تعالى: ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٣٢] مصرِّحٌ بأنَّ دخولَ الجنَّة أيضًا بالأعمال؟ أُجيب بأنَّه لفظٌ مجملٌ بيَّنه الحديث، والتَّقدير: ادخلُوا منازلَ الجنَّة وقصورَها بما كنتُم تعملون، فليس المراد بذلك أصل الدُّخول، وفي «كتاب المواهب اللَّدنيَّة بالمنحِ المحمَّدية» مزيدٌ لذلك، والله الموفِّق والمعين.
(قَالَ) عليُّ بن عبد الله المدينيُّ: (أَظُنُّهُ عَنْ أَبِي النَّضْرِ) بالنون المفتوحة والضاد المعجمة الساكنة، سالمُ بن أبي أميَّة المدنيُّ التَّيميُّ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بن عبد الرَّحمن (عَنْ عَائِشَةَ)﵂، وكأنَّ ابنَ المدينيِّ جوَّز أن يكون موسى بن عقبةَ لم يسمعْ هذا الحديث من أبي سلمةَ، وأنَّ بينهمَا فيه واسطة، وهو أبو النَّضر، بخلافِ الطَّريق الأولى فإنَّها بلا واسطةٍ، لكن ظهرَ من وجهٍ آخر أن لا واسطةَ، ويدلُّ له قوله:
(وَقَالَ عَفَّانُ) بن مسلمٍ الصَّفَّار، أي: فيما رواهُ عنه المؤلِّف مذاكرةً (حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ) بضم الواو وفتح الهاء، ابن خالد (عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ) أنَّه (قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ) بن عبد الرَّحمن، فصرَّح وهيب عن موسى بالسَّماع بقوله:«سمعت أبا سلمة» وهذا هو النُّكتة في إيرادِ هذه الرِّواية